إيران دولة دور ومكانة، وليست دولة دعوة وإيمان ومقدسات، فالمناسب لها هو من يخدم دورها ويعزز مكانتها كدولة صاحبة مشروع سياسي وحضاري، فالسيد المالكي لم يعرف حاجة طهران له فقط بل قام بصناعة حاجتها له، واتضح ذلك خلال الامتيازات التي قدمها لطهران عندما تحركت لمساعدة نظام بشار الأسد، فقد ابدع المالكي في خلق مناخ عسكري وأمني وديني لمساعدة حكومة الأسد في حربها على شعبها ليس لأنه مرتبط معها بمعاهدات دفاعية بل لأن إيران تريد ذلك، السيد المالكي من تلك النوعية من الساسة الذين لا سيئ لديهم إلا ما كان جيداً عند خصومهم، فإن طالب أهل الأنبار بالعدالة والمشاركة اعتبر ذلك تجاوزاً جاء من سوء مذهب المطالبين وتاريخهم البعثي، لذلك كان عليه أن يدفع الاعتبار الطائفي لواجهة الأحداث ونجح في ذلك. المالكي ليس مثل بشار الأسد لطهران، فبشار خيار وحيد لطهران وبقاؤه ضمانة في هذه المرحلة للمحافظة على حزب الله، والاطاحة به تعني أن مشروع إيران في المنطقة تداعى للزوال، وأن أغلب أوراقها السرية التي تحجبها عن العالم سوف تخرج من اغتيال الرئيس رفيق الحريري وما تبعه من اغتيالات، فالتحالف السوري الإيراني تحالف له تاريخه وأسراره، أما علاقة المالكي بطهران علاقة علنية لا توجد بها أسرار، فالجريمة المشتركة معروفة والخطة المعتمدة بينهما تعمل في العلن، فالسيد المالكي يعمل كمسؤول سياسي إيراني عن الملف العراقي، وليس مسؤولاً عراقياً ينفرد بالانتماء والمصالح، هل هذا الأمر مزعج ؟ قد يكون عند أفراد قليلين هو كذلك ولكنه عند الأغلبية إخلاص وانتماء مذهبي تمليه الحرب الطائفية المستعره في العراق، وتمليه أيضاً عاطفة الثأر من حزب البعث التي أصبحت في حكم المالكي عقيدة دينية يجب أن تعيش في قلوب اتباعه إلى الأبد.. فالمالكي بالنسبة لطهران موظف قد يصاب بالعجز أو يموت وليس مشروعاً أو خياراً قدرياً مثل الأسد، يذهب حافظ ويأتي بشار، المالكي يريد أن يكون نسخة من نظام الأسد في العراق، وقد عمل على إثبات وجوده كخيار استثنائي لطهران ونجح إلى حد ما في ذلك، ولكن غاب عنه أن طهران هي من جهزته لهذا الموقع وليست قوة الجيش الوطني أو الإرادة الشعبية الحرة، فكل مالديه من شرعية للبقاء في الحكم هو أن طهران تريده فقط، وكان هذا الأمر حاسماً في الدورة السابقة، فقد تم إعادة رئاسته لفترة ثانية. مشكلة المالكي الأولى وطهران أيضاً، بأن طهران في العراق اختارت مذهباً ولم تختر حزباً أو جماعة سياسة قادرة على التحول وفق مقضيات اللعبة السياسية، طهران في العراق أرادت أن تكون عمامة وحسينية- ليس عبادة وإيماناً بل مصلحة - فاعتمدت في هيمنتها على العراق على العاطفة الدينية فكن شيعياً يعلن مظلوميته تكن سياسياً مقرباً من طهران، وكرست الثقافة الطائفية بشكل يجعل الفكاك من أغلالها شيء مكلف جداً، فعندما قرر السيد مقتدى الصدر أن يدين السياسة الطائفية للحكومة قام بالاعتزال كلياً من العمل السياسي، فقد عززت طهران قناعة لدى ساسة الشيعة إن لم تكن طائفياً فاعتزل السياسة واتجه للدرس والعبادة.. التفكير بالوجود الإيراني في العراق يجب أن يبتعد عن كل مؤثر خارجي، مثل اعتبار الوجود الأمريكي أو التفاوض على برنامجها النووي، فوجود إيران في العراق لايقوم على بناء تحالف والتخلي عن تحالف، بل هو وجود ثقافي واجتماعي معلن، وخلف هذا الوجود تسير المشاريع السياسية وترتكب الجرائم وتعلق القوانين من هذا يمكن القول إن كان قبل 2003 العراق هو عراق البعث فبعدها العراق عراق إيران، يتحالف مع الدول التي تريد إيران أن يتحالف معها ويعادي لنفس السبب، ويحتفل بإذن طهران وحتى انتسابه لامجاده لا يكون مجداً إلا بإذن طهران، من هذا الاعتبار يمكن القول بأن خيار طهران في العراق تحدد قبل وجود المالكي ويعمل بوجود المالكي أو بدونه، ولن يتغير هذا الاتجاه إلا إذا أرادت العامة لهذا الاتجاه أن يتغير.