×
محافظة مكة المكرمة

البسطات العشوائية تزاحم زوار «بلد» جدة في رمضان

صورة الخبر

مع التغيرات الاجتماعية التي أصابت المجتمع في سنواته الأخيرة أصبحت مشاركة المرأة في التنمية وعملها بجانب الرجل واقعاً ملموساً وإن بدرجات متفاوتة. وفي ظل ذلك ما زالت المرأة تشكو من تحرشات ومضايقات الرجل لها، والقضايا المرفوعة لدى الجهات المختصة يمكن أن تعطينا مؤشرات على ذلك. وهنا تبرز الأسئلة.. لماذا استطاعت المرأة أن تنخرط في بيئات العمل ومناشط الحياة المختلفة في دول غربية وعربية بل وخليجية مجاورة من غير أن تكون نسب ومظاهر التحرش طاغية وواضحة للعيان كما هو في مجتمعنا؟ وهل المشكلة في ثقافة المجتمع التي لم تتعود بعد على هذه التغيرات؟ أم في غياب الأنظمة والقوانين؟ أم في عدم وجود البيئات المناسبة لعمل المرأة وطبيعتها التكوينية؟ هذه الأسئلة وغيرها طرحناها على عدد من المهتمين والمراقبين للشأن الاجتماعي في ثنايا التحقيق التالي: بداية أكد الكاتب محمد المزيني على أهمية القوانين الواضحة والحاسمة في موضوع التحرش، مدللاً أن كثيراً من الدول تنبهت لهذا الأمر مبكراً وفرضت قوانين صارمة تصل لحد السجن 25 سنة حسب نوع التحرش. وشدد المزيني أن القوانين هي التي تحمي الإنسان بصفة عامة وتحمي الفتاة من التحرش الجنسي أو الاستغلال، وأضاف المزيني أن موضوع التشهير والفضح قضية مهمة ورادع قوي، وأشار المزيني إلى ازدواجية أخلاقية نعيش بعض صورها في المجتمع حين نتورع عن فضح بعض المستهترين بالأخلاق العامة فلا يعلن عن المغتصب أو المتحرش لارتباطه بعائلة ما أو قبيلة بينما عندما يسرق آخر أو يرتكب مخالفات أخلاقية أخرى يمكن أن يشهر بها ويحكم ضده مع أن التحرش الجنسي أو اغتصاب فتاة هو أقسى وأشد على الإنسان وعلى المجتمع وعلى الأخلاق ككل، وقال المزيني إن تعليم وتوعية الشباب من الجنسين بكيفية التعامل مع بعضنا على أساس عقلاني إنساني وليس على تصورات قديمة كانت سائدة وإن بدأت تتلاشى مؤخراً مفادها أن الرجل كالذيب بينما المرأة كالنعجة يجب أن تؤكل وتنهش. ونفى المزيني أن يكون سبب ظاهرة التحرش والإيذاء في مجتمعنا حداثة تجربة عمل المرأة وانخراطها في التنمية وخروجها من بيتها، مضيفاً أن المرأة في السابق كانت تخرج أكثر من هذا الوقت. التغيرات الاجتماعية وأوضح المزيني أن هناك عوامل عدة منها، التغيرات الاجتماعية والثقافية التي حدثت في المجتمع وغيرت كثيراً من المفاهيم والنظرات تجاه المرأة، ففي السابق لم يكن الرجل يرى المرأة تعمل في المؤسسات وتتعاطى مع الرجل بينما الآن اختلف الأمر. وبين المزيني أن وضع المرأة في حيز التابو أو المحرم أو حيز المفهوم الجنسي للمرأة ورؤيتها من خلال هذه النافذة فرضت على الشاب أن لا يتعاطى معها ككيان إنساني مستقل ومفكر، وإنما يتعامل معها ككيان إنساني جنسي أو جسدي بالدرجة الأولى، وأضاف المزيني أننا لم نصل بعد إلى فكرة أن المرأة كائن إنساني مبدع وخلاق ومسهم في تكوين الحياة. وعن التصرفات السلوكية الصادرة من بعض الفتيات والتي قد تفهم على نحو سيء من قبل الشباب قال المزيني إن هناك تصرفات هي من طبيعة المرأة وأنثويتها بينما هي عند الرجل الفحل تعني شيئاً آخر، وهذا مصادم لمفهوم الأنثى حين نريد من المرأة أن تتخشن أو تتعامل كذكر، وأشار المزيني إلى أن تركيبة جسد المرأة وعظامها تجعلها تمشي وتتحرك بطريقة خاصة بالأنثى والتي يظنها البعض أنها من تصرفات الغنج أو الدلال التي تريد المرأة بها أن تستجلب تحرشات الشباب. وأضاف المزيني إن المرأة في العالم الغربي تخرج متبرجة وحاسرة عن جسدها وبالرغم من ذلك لا يجرؤ أحد على إيذائها، رغم الكينونة الجنسية الموجود عند الرجل حتى لو تعود على مثل تلك المناظر. الخصوصية وعن التحرش والمضايقات والإهانات التي يلاقينها الفتيات في بيئات العمل قالت الباحثة والأكاديمية الدكتور سوزان زيدان إن مشكلة مجتمعنا أنه يحب السرية أو كما يطلق عليها «الخصوصية»، فلذلك قد يعبر البعض عن انزعاجه من عمل المرأة بتلك التصرفات المشينة بينما هو في الحقيقة اعتراض على عمل المرأة في العلن وأمام الملأ. ودللت زيدان على ذلك بوجود نساء عاملات كفرّاشات في المدارس أو غيرها وينظفن و يقمن بأعمالٍ فيها امتهان و لكن لم يشك أحدٌ ظلمهن وقد يكون ذلك لأنهن مختفيات و في بيئة نسائية تماماً. وتعتقد زيدان أن الأمر يدور حول سجن الخصوصية التي تربى عليها المجتمع والتي تنظر لوظيفة المرأة كعاملة أو محاسبة نظرة امتهان. وتساءلت زيدان كيف استطاع المجتمع السعودي التعامل بسلاسة مع جميع القضايا المستحدثة مثل التكنولوجيا خلال 20 سنة فقط من ظهورها و لم يفهم معنى الاختلاط بمقصوده الشرعي حتى بعد مرور 1434 سنة؟! أعمال مهينة وانتقدت الإعلامية والكاتبة الصحفية سارة القحطاني وزارة العمل في اهتمامها فقط بتوفير وظائف لا تليق بالمرأة عموماً فضلاً عن المتعلمة مثل العمل كمحاسبة في الأسواق أو أعمال التنظيف أو غيرها. وأشارت القحطاني إلى أن مثل هذه الأعمال تجرئ الآخرين على إيذاء المرأة والتحرش بها ووضعها في حالة الاحتياج لهم. وأضافت القحطاني أن مثل هذه الوظائف لا تحفظ كرامة المرأة وعفتها وخلقها الأمر الذي يعرضها للمعاكسات والتحرشات، مبينة أن عصرنا اختلف عما كانت عليه المرأة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وذلك في معرض ردها على من يقول إن المرأة انخرطت في الحياة العامة في عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم. وأوضحت القحطاني أن المرأة إذا خرجت للتسوق ومكثت بضع ساعات فإنها تتعرض لأنواع التحرش والإيذاء فما بالنا بالمرأة التي تقضي نصف يومها في السوق كعاملة، ملقية باللائمة على المسوؤلين في وزارة العمل والذين لم يوفروا أعمالاً تليق بالمرأة وتحفظ لها مكانتها الاجتماعية. أسباب التحرش من جهتها قالت الكاتبة والأكاديمية بجامعة الأميرة نورة الدكتور الجوهرة العمر إن التحرش الجنسي مشكلة عانت منها المجتمعات الغربية بوجه عام والأمريكية والأوربية بوجه خاص، ثم انتقلت هذه المشكلة إلى المجتمعات الإسلامية والعربية بوجه خاص، وتوضح العمر أن لوجود هذه المشكلة عدة أسباب لابد من التعرف عليها حتى نتتبعها وبالتالي نستطيع أن نوجد الحلول لها. وتشير العمر في هذا الصدد إلى أن المجتمع السعودي مجتمع محافظ، وإلى ما يقارب العشر سنوات أو الثماني سنوات الماضية لم تكن هذه الظاهرة موجودة، مرجعة السبب في ذلك إلى التغيرات التي طرأت على المجتمع مؤخراً والانفتاح الكبير على الثقافات الغربية وانحسار كثير من القيم الدينية والاجتماعية. وتشير العمر إلى أن الشاب في الماضي كان يغار على بنت جيرانه وبنت وطنه ويدافع عنها وكأنها أخته. كما كانت الفتاة تلتزم بالحجاب الكامل الذي يغطي كامل جسدها وتتجنب إظهار الزينة وتخاف أن يراها أحد أقاربها أو جيرانها في منظر أو موقف غير لائق، كما كانت الفتاة وأهلها يرفضون رفضاً تاماً أن تعمل في أعمال وأماكن مختلطة وفي بيئات غير لائقة، كما تقول العمر. وتؤكد العمر أن هذا التغير في أخلاقيات الشباب والفتيات، وهذا الضعف في القيم والدين هو الذي احدث هذا التغيير وسبب هذه المشكلة. حلول عملية وعن الحلول لهذه الظاهرة تقول العمر الحل إنه يجب الحرص على غرس العقيدة الصحيحة وبناء الوازع الديني في الشباب والفتيات، وأن نرتفع بقيم المجتمع ونربي فيهم احترام بعضهم البعض واحترام خصوصية الآخر والحفاظ على كرامته. كما أوضحت العمر أن علينا جميعاً وعلى كل المستويات كدولة ومجتمع وأسرة ببعض الإجراءات الاحترازية التي تحفظ نقاء شبابنا وكرامة فتياتنا؛ مبينة أن على الجهات المختصة أن تحرص على توفير بيئات العمل النقية البعيدة عن الاختلاط للفتاة. وعلى الأسرة أن تشجع بناتها على التمسك بالحجاب والاحتشام في البيت وعند الخروج وفي التجمعات. كما تحرص على تربيتها على السمو والبعد عن الابتذال والترفع عن الظهور بشكل لا يليق بها وبعائلتها وبمجتمعها المحافظ النقي، مؤكدة أن أكبر عامل من عوامل التحرش هو البعد عن الاحتشام والتبذل في اللبس وفي الكلام والهيئة. غياب التربية ومن جانبها ترجع الدكتورة نجوى خليل- مدير المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية-انتشار هذه الظاهرة الى عدة أسباب على رأسها غياب التربية السليمة التي كان الآباء يحرصون عليها في الماضي من حيث التأكيد على قيم الدين والعادات والتقاليد والرقابة الداخلية من الأهل والأسرة خاصة الأم والأب اللذين للأسف الشديد انشغلا بالخروج الى العمل وتركا مهمة التربية لجهات أخرى مثل الفضائيات ووسائل الإعلام المختلفة والتي في معظمها ترمى الى أهداف غير بريئة وهذا يفرض علينا جميعا الاهتمام الجاد بالعودة الى التربية القويمة التي تأسسنا عليها. وأضافت قد تكون هناك أسباب اقتصادية أو سياسية أو غيرها وراء الظاهرة ، لكن الأساس هو التربية المنزلية ثم المجتمعية. الأسس التربوية وبنظرة تربوية يؤكد الدكتور بلال سليمان- عميد كلية التربية بجامعة قناة السويس- أن التربية من الصغر على الأخلاق واحترام الآخر هي الأساس الذي يقوم عليه في الكبر احترام الجنس الآخر وهذا الأمر ينطبق على الجنسين معاً لأنه لا يصدر مثل هذا السلوك الشائن من الشاب فقط دون الفتاة أو بعض السيدات, وبالتالي فعلينا أولاً التركيز على التنشئة والتربية منذ الصغر كأن تغرس الأم في ابنتها قيمة احترام نفسها وجسدها وألا تضع نفسها عرضة لمواقف غير أخلاقية بأن تلتزم بالآداب والقيم الدينية التي تحفظ لها كرامتها من أن يتعرّض لها من هو ضعيف التقوى وقليل الإيمان والاحترام لنفسه، ونفس هذا المنهج يجب اتباعه مع الشاب أيضاً، ولفت إلى أن ما تبثه أكثر الفضائيات من أفكار وسلوكيات أبعد ما يكون عن قيم وعادات مجتمعاتنا الشرقية المحافظة فضلا عن قيم ديننا الحنيف، هذا في الوقت الذي يعانى فيه الشباب من الجنسين مشكلة العنوسة وتأخر سن الزواج وعدم القدرة على تكوين أسرة لإشباع رغباتهم الفطرية بالطرق المشروعة. يضيف د. بلال أهم شيء يجب التركيز عليه هو الجانب التربوي الذي يقع على كاهل الأسرة أولاً ثم المجتمع المحيط، وفى نفس الوقت لابد من الإجراءات والعقوبات الرادعة التي تفرض على الجميع احترام مشاعر الآخر سواء بالالتزام الأخلاقي أو القانوني, . طغيان المادة ويقول الدكتور محمد الدسوقي أستاذ الشريعة بجامعة القاهرة : المجتمع العربي يعانى من حالة انفلات أخلاقي وتغييب كامل لمنظومة القيم التي وقفت حارسا أمينا لمجتمعاتنا الإسلامية والعربية على مدار قرون عديدة لكن مع تنامي التيار المادي وطغيانه على كل ما عداه انهارت القيم وعرفنا نمطا جديدا من الجرائم أسمه التحرش وإذا كنا نرغب في التصدي لها يجب على الأسر تنشأة الفتاة على الدين فتعرف الحلال والحرام وتميزه ثانياً وأن يوجد لديها الإحساس القوي بالثقة في النفس وألا تشعر بالضعف أمام عادات الغربيين كما أن على الأسرة المسلمة أن تشد من أذر فتياتها دائما عندما تصادفن موقفاً يؤثر فيهن سلبياً وأن تعرفهن أنهن على حق وأن الآخرين على باطل . وخلص الى ان الاجابة تكمن في الدين والتدين المعتدل البعيد عن الغلو أو التطرف موضحا أن الظاهرة ما هي إلا ثمرة لطغيان المادة على الروح والضعف الإيماني والبعد عن قيم الدين وأخلاقياته ومن خلال التدين يحدث التوازن النسبي بين المادة والروح والنبي صلي الله علية وسلم يضع روشتة علاج فعال للشباب لترشيد الشهوة وتهذيبها وذلك بقوله « يا معشر الشباب، من استطاع الباءة (القدرة المالية) فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء « والصوم هنا للترفع عن الشهوات وعلو الروحانيات حتى يتيسر لهم أمر الزواج ولنتذكر كلنا موقف النبي من الذي جاء يطلب منه أن يحل له الزنا فقال له النبي هل ترضاه لأمك أو زوجتك أو أختك أو ابنتك فاستنكر الرجل ذلك ورفضه فأكد له النبي صلى الله علية وسلم ان النساء كمثل نسائه وينهى د . الدسوقى حديثه قائلا، علينا العودة لتعاليم الكتاب والسنة اللذان أصلحا أسلافنا وجعلاهم في أعلى عليين وكفانا لهثا وراء الماديات التي ما جنينا منها إلا تدني الأخلاق والتخلف العلمي الذي جعلنا في ذيل الأمم. المزيد من الصور :