شدني موضوع كتب في المجلة العربية العدد 449 حول أدباء خلف القضبان للأستاذ أحمد أبو زيد. حيث تحدث عن أدباء قضوا ردحاً من الزمن خلف القضبان بسبب مواقفهم السياسية المقاومة للظلم، وأعطى الكاتب نماذج متعددة من الأدباء والشعراء والصحفيين. ومن خلال اطلاعي حول الموضوع وجدتني أتساءل هل للسجن من أثر على الملكات الإبداعية؟ وما السر وراء نجاح الأعمال التي خرجت إلى الوجود من بين جدران السجون؟ وتاريخ الأدب العالمي والعربي حافل بالعديد من الأعمال الأدبية التي أبدعتها عقول سجناء، ابتداء من العصور القديمة حتى العصر، سواء في الشرق أو في الغرب. فقد أبدع الروائي الإسباني (ميغيل دي سيرفانتس) روايته الشهيرة (دون كيخوت) من داخل محبسه، وهي تحتل مرتبة مرموقة في ترتيب أفضل الأعمال الروائية العالمية، وبلغت منزلة المرجع في الأدب الروائي. وكان المفكر الفرنسي (جان جينيه) يعتبر السجن المكان الأمثل للكتابة، وفيه كتب رائعته (معجزة الوردة) وهي رواية تزخر بالرموز المستمدة من حياة القرون الوسطى، وتصور الأغلال التي رسف فيها السجين، وهي تتحول إلى أكاليل ورود، كما كتب واحدة من أفضل قصائده كما يقول النقاد، وهي بعنوان (الرجل المحكوم عليه بالموت). كما أبدع فولتير من داخل سجن الباستيل ملحمة الروائية (هنرياديه) التي تروي في الظاهر قصة حصار (هنرى الثالث) لباريس عام 1589م، لكن ما بين سطورها ينتقد السلطة الدينية فى عصره. كان لا يسمح لفولتير بورق كتابة داخل السجن فكتبها بين سطور أحد الكتب المطبوعة. وعلى مستوى تاريخنا العربي نجد زخماً من الإبداعات لعدد من رموز الأدب العربي قديماً وحديثاً ولدت في السجن، أمثال أبي الطيب المتنبي، حيث يرى طه حسين أن تجربة السجن كان لها أثر على المتنبي وعلى تطوير ملكاته الإبداعية والشعرية. كما أثرت تجربة سجن المعتمد بن عباد على إبداعاته الشعرية، فصوّرعذابه وألمه وتجربته في السجن بلغة شاعرية مؤثرة. وحديثاً كان للسجن تأثير على شاعر تركيا ناظم حكمت، وشاعر تشيلي بابلو نيرودا، والشاعر المصري الراحل أحمد فواد نجم الذي أبدع من داخل السجون والمعتقلات، وشكل شعره تعبيراً صادقاً عن مشاعر المصريين. كما ألف المفكر عباس محمود العقاد كتابه (السدود والقيود) أثناء سجنه في ثلاثينيات القرن الماضي. ويقول العقاد إنه وجد في السجن حلاوة ولذة، وإنه في سجنه خطرت له أفكار كثيرة. وأدباء السجون كانوا في حاجة إلى السجن لكي ينطلقوا، كأنهم كانوا بحاجة إلى عزلة تامة ليكملوا الصورة العقلية الناقصة. وعندما خرجوا من السجن لم يهاجموا الذين حبسوهم وإنما شكروهم على أنهم أعطوهم هذه الفرصة السعيدة بأن يكونوا وحدهم بعيدين عن الناس وشوشرة الحياة. ولا شك أن أثر السجن كان واضحاً في توليد مخرجات عبقرية بالغة القيمة والأثر.