×
محافظة مكة المكرمة

أمانة جدة تعلن عن قنوات التواصل معها للإبلاغ عن الملاحظات والاقتراحات

صورة الخبر

** عاد من الإجازة محملًا برغبةٍ ورهبةٍ وإقدامٍ وإحجام؛ فما جرى خلال توقفه القصير عمرٌ طويلٌ لا يستوعبُه وراقٌ مترفٌ يسترخي بعد استرخاء ويتثاءبُ في الماء بينما المشهد مليءٌ بالدموعِ والدماء. ** لم تعنِه أدلجةٌ ولا أشغله تنظيم فلا شأن له بمن يسوسُ، بل بمن يُساسون، ولا يعنيه اسمٌ أو رسمٌ، بل بائسٌ ويائسٌ وأرملةٌ ومسكينٌ وطفلٌ يشهق باللوعة وحرٌ يبتلعه الصمت وأسلحةٌ توجه للقريب، وللعدوِّ السلام. ** فكر وما يزال التفكير يؤرِّقه حول جدوى الكلمة والزاوية والالتزام والاهتمام في زمن غاضت فيه صورةُ القوة وغاب صوتُ البيان وعاد استفهام “أبي ريشة” العتيد: أمتي هل لك بين الأممِ منبرٌ للسيفِ.... أو للقلمِ أتلقاكِ وطرفي مطرقٌ خجلًا من أمسك المنصرمِ ** السيفُ للأدنَين والقلم للافتئات والفُتات، وتمنينا تغيرًا فألفينا تدهورًا، وأضاء الغدُ في عينٍ متفائلةٍ يومًا ثم أعتم في عيونٍ تستشرف صباحًا لا يجيء. ** توجه السيفُ للداخل العاري، ورعى القلمُ بضاعةً مزجاةً، وكثر الكاتبون وقلت الكتابة، وتوارت النخب القادرة أمام العامة الهاذرة، وباتت اللا جدوى مأوى الباحثين عن الظلِّ الناعم في الهجير الملتهب؛ فما الذي سيحكيه مدادُ قلم لأمداء دم، وما الذي سترويه النائحةُ المتفرجةُ إذ تُوارَى النائحةُ الثكلى؟ ** لم يعد الموت يفجؤنا ولا يفجعُنا فهو حكايتنا الملهاةُ والمأساةُ معًا، إذ امتد الرقمُ بجانب الرقم وكبرنا أربعًا فأربعين فأربعَ مئة دون أن يعني مسارًا سنسلكُه أو مصيرًا سنبلغُه ولو ادعينا الاتعاظ ودعونا للموعظة. ** نزور المقابرَ فتطيب لنا حكاياتُ المعاشِ، ونتابع الأحداث فيبتسم المتنفذون ويتندر المذيعون والمحلّلون، ونفتش عن أثرٍ للدماء فإذا بها دِلاءُ ماء، وتُزهق النفوس فليست أكرمَ من العجماء العجفاء الجُبار. ** نتساءلُ: لمَ؟ وقد درجنا على تربيةٍ ترثُ هيبة الموت واحترام الأموات والتشارك في ساعات الحزن وتواصل الذكرى. ** ربما الاعتياد؛ فمع تقدّم العمر وكثرة ارتياد المقابر صارت مواجهةُ الموت أيسرَ والرضا بالقضاء أكبر، حيث يمتزج الألمُ بالأمل والفراقُ باللقاء والفقدُ بالدعاء. ** وربما الازدياد؛ حين أصبح الموتُ الجماعيُّ ظاهرةً عربيةً تنقلها لنا الصورةُ القاتمةُ في مقدمات الأخبار ومنحنياتها ليعكس طغيان الأنظمة الشموليةِ التي لم يمرَّ بها ربيعٌ أو تلك التي ارتدت عنه ثم وجدت من يبررُ لها فتمادت وأبادت. ** تصبح المأساةُ أكبر مع جنايةِ ذوي القربى، ويتعمّقُ الظلم أكثر بأيدي المحتلين “الوطنيين”، ونستدعي التأريخَ فإذا ما نراه فوق ماقرأناه. ** شتات كلماتٍ مبعثرةٍ لطفلٍ دون أب وأم بلا ابن وأسرةٍ من غير عائل فصودر الغدُ والوعد، وساد الأسدُ والمسد، وحين كتب ناصر الدين النشاشيبي أن “الحبر أسودُ أسود” في مؤلَّفٍ له تحت هذا العنوان ظننا ألا حبرَ أسوأُ منه ثم اكتشفنا أن للحبر ألوانًا قانيةً حمراءَ ذاتَ لهبٍ تُحرق وتغرق. ** الكتابة شراكة. ibrturkia@gmail.com t :@abohtoon