لأن «الضربة العسكرية» ضد النظام السوري لم تعد متوقعة فقط، وخلال أيام قليلة، بل مؤكدة، ثم لأن سقوط هذا النظام بات حتميا، فإن المعارضة السورية، الجيش السوري الحر على وجه التحديد، التي وضعت أقدامها ابتداء من يوم أمس الأربعاء على بداية طريق جديد، أصبحت أمام مسؤولية تاريخية، وأصبح عليها أن تهيئ نفسها لمهمة في غاية الصعوبة والدقة، وهي المبادرة إلى التقاط لحظة غدت سانحة قد لا تتكرر، والمسارعة إلى ملء الفراغ الذي سيتركه انهيار حكم بشار الأسد الذي غدا انهياره مسألة وقت قريب جدا فقط. رغم البلبلة التي أحدثها رفض مجلس العموم البريطاني المشاركة في الضربة العسكرية المقترحة ردا على جريمة استخدام الأسلحة الكيماوية المحرمة دوليا، بموجب «بروتوكول» عام 1925، ورغم التردد الذي أبداه الرئيس باراك أوباما بالتخلي عن حقه كقائد أعلى للقوات الأميركية المسلحة بالرجوع إلى الكونغرس الأميركي، فإن ما غدا مؤكدا أن هذه «الضربة» ستنفذ، وأن حلف شمال الأطلسي قد يشارك فيها، وهو سيشارك فيها حتما، وأن البريطانيين سيلتحقون بها، وإنْ متأخرين، بعد التصويت مجددا على ما كان رفضه برلمانهم قبل أيام. إن مما لا شك فيه أن الرأي العام الأميركي ومعه الرأي العام الأوروبي لا يمكن أن يسكتا عن الجريمة التي ارتكبها بشار الأسد ضد شعب من المفترض أنه شعبه، فهذه مسألة حساسة جدا، والمعروف أن هناك «بروتوكولا» دوليا أُبرم في عام 1925 قد حرم استخدام السلاح الكيماوي في الحروب باعتباره سلاحا فتاكا، وباعتبار استخدامه ضد العسكريين والجيوش، وبالطبع أيضا ضد المدنيين والأطفال، جريمة إنسانية لا يجوز السكوت عنها، وهذا يعني أن «الضربة العسكرية» التي يجري الحديث عنها سوف تتم بالتأكيد، وسوف يشارك فيها حلف شمال الأطلسي إلى جانب فرنسا التي حسمت أمرها، والتي أثبت رئيسها فرنسوا هولاند أنه القائد المطلوب والمناسب في الظروف الصعبة، وأنه صاحب قرار ولا يعرف التردد عندما يتعلق الأمر بقضية إنسانية وسياسية على كل هذا المستوى من الخطورة. إن هذه مسألة، حيث من غير الممكن أن يصمت الضمير العالمي على هكذا جريمة بشعة ارتكبت ضد أناس أبرياء بأبشع أسلحة الدمار الشامل. أما المسألة الثانية، التي طرحها الرئيس الأميركي باراك أوباما وهو يتحدث عن موجبات هذه الضربة وأهدافها، فهي هز العصا أمام أنوف المسؤولين الإيرانيين وإفهامهم أن الدور باستخدام القوة العسكرية المدمرة سينتقل إليهم إن هم واصلوا سياسة ركوب رؤوسهم، واستمروا بمحاولات إنتاج الأسلحة النووية التي إن هم أنتجوها فإنها قد تدفع العالم إلى حرب «ذرية» قد تبدأ بالشرق الأوسط؛ هذه المنطقة الاستراتيجية والحساسة. لقد قال باراك أوباما وقال الزعيم الجمهوري في الكونغرس الأميركي جون ماكين ومعه الزعيم الديمقراطي في هذا المجلس نفسه ليندسي غراهام، إن عدم تنفيذ هذه «الضربة» سيشجع القيادة الإيرانية على الإسراع بإنتاج الأسلحة النووية، كما أنه سيشجع كوريا الشمالية على استخدام الصواريخ الباليستية ضد كوريا الجنوبية، وربما ضد اليابان وضد الولايات المتحدة نفسها، وهذه من أكثر المسائل تأثيرا على الرأي العام الأميركي، وبخاصة أن هذا الأمر في جانب كبير منه يتعلق بأمن الدولة الإسرائيلية التي تتمتع بتأثير كبير على توجهات الأميركيين وتوجهات البيت الأبيض من خلال مجموعات الضغط اليهودية وأهمها «إيباك» كما هو معروف. ولذلك فإنه من غير الممكن أن يسير الكونغرس الأميركي على خطى مجلس العموم البريطاني، وأن يتخذ قرارا يحول بموجبه دون استخدام الرئيس الأميركي لصلاحياته كقائد أعلى للقوات الأميركية المسلحة ويقوم بالضربة العسكرية المقررة، فهذه المسألة بالنسبة للرأي العام الأميركي، رغم أنه لا يزال يعيش ارتدادات وانعكاسات كارثة التدخل في أفغانستان والتدخل في العراق، لا تعد مسألة إنسانية فقط، بل أيضا مسألة ضرورة منع الإيرانيين من إنتاج الأسلحة النووية ومسألة وضع حد لألاعيب رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون الصبيانية، وأيضا منع حزب الله من الاستمرار في عملياته الإرهابية إن ضد أوروبا وإن ضد الدول العربية المناهضة للتدخلات الإيرانية السافرة في هذه المنطقة الشرق أوسطية. وبالتأكيد فإن الرأي العام الأميركي من خلال من يمثلونه في الكونغرس سيضع في اعتباره أن روسيا قد استغلت في الأعوام الثلاثة الأخيرة ما رأت أنه ضعف وتردد في الإدارة الأميركية، وبدأت تسعى بالاعتماد على الأزمة السورية التي كان الرئيس باراك أوباما قد أظهر تجاهها موقفا لا يليق بالموقع الكوني الذي غدت تحتله بلاده، لاستعادة نفوذ الاتحاد السوفياتي الذي تراجع حتى حدود التلاشي بعد انهياره بدايات تسعينات القرن الماضي. ولذلك ولكل هذا فإن هذه «الضربة العسكرية» ستجري حتما، إنْ اليوم أو غدا أو بعد أسبوع أو بعد شهر، كما قال الرئيس باراك أوباما في أحد تصريحاته الأخيرة المتعلقة بهذا الشأن، وهذا يعني أن نظام بشار الأسد سيسقط بالتأكيد؛ إذ إن هكذا ضربة، مع أنها وصفت بأنها ستكون محدودة وسريعة وأن هدفها ليس إسقاط نظام الرئيس السوري، ستؤدي إلى خلخلة هذا النظام وإلى فقدانه السيطرة على نفسه وعلى قواته العسكرية المصابة بالإعياء والتشتت، والتي ازداد نزيفها البشري وازدادت الانشقاقات فيها، مع تزايد شعورها بأنها ستجبر على خوض معركة خاسرة لا محالة. إنه من غير الممكن وغير المتوقع أن يتماسك، أمام ضربة ستكون صاعقة ومدمرة، جيش كل تاريخه ارتكاب مذابح ضد شعبه.. من عام 1964 إلى عام 1982، إلى مذبحة سجن تدمر الشهيرة، إلى كل الموبقات التي ارتكبها قادته في لبنان، إلى هذه المذبحة المستمرة منذ أكثر من عامين، إلى جريمة استخدام السلاح النووي الأخيرة، ثم إن المؤكد أن هذا الجيش، الذي جرى تحويله إلى ميليشيات طائفية يقودها ضباط إيرانيون وتخضع لتوجيهات حسن نصر الله الذي عانى من انشقاقات فعلية على مستوى القاعدة وعلى مستوى القيادة والذي تدنت روحه المعنوية، سينفرط عقده مع أول غارة جوية أميركية ومع أول رشقة صواريخ، وهذا ينطبق حتى على الحرس الجمهوري وحتى على الفرقة الرابعة التي توصف بأنها قلعة هذا النظام وأنها خندقه الأمامي الذي من الصعب اقتحامه والسيطرة عليه. نحن لا نتحدث هنا عن الجيش العربي السوري البطل، الذي خاض حرب عام 1948 ببطولة نادرة، والذي حاول الالتحاق فورا بجبهات القتال إبان العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956 والذي خاض حرب يونيو (حزيران) عام 1967 وخاض حرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973 وكل حروب المناوشات الاستنزافية مع إسرائيل.. إننا نتحدث عن جيش جرى الانحراف به عن عقيدته العسكرية الوطنية والقومية وتحويله إلى مجموعات من القتلة الذين ذبحوا شعبهم في عام 1964 وفي عام 1982 وفي سجون تدمر وفي هذه المجازر البشعة المستمرة منذ أكثر من عامين.. إن جيشا كهذا لا يمكن أن يقاتل إلا شعبه، وإنه لا يستطيع الصمود أمام هذه «الضربة» المنتظرة، وهذا يعني أن انهيار بشار الأسد بات محتما، وأن مصيره في أفضل الأحوال سيكون كمصير سلوبودان ميلوسيفيتش، وفي أسوأ الأحوال كمصير معمر القذافي. ولهذا فإنه على الجيش الحر أن يكمل استعداداته بسرعة وبحيث يبادر فورا إلى ملء الفراغ والإمساك بزمام الأمور بمجرد انهيار هذا النظام، الذي سينهار بالتأكيد، فالتجارب علمتنا أن «الثورات» يصنعها الأبطال، وأن الجبناء هم الذين يقطفون ثمارها.. وهنا فإنه لا بد من التأكيد على مسألتين هما: الأولى، يجب عدم الوقوع في خطيئة استهداف أبناء الطائفة العلوية الكريمة، ويجب عدم أخذ هذه الطائفة الكريمة بجريرة هذا النظام المستبد القاتل، فهي ذات تاريخ وطني نظيف عنوانه سيف الدولة الحمداني وصالح العلي، وهي بمعظمها قد وقع عليها خلال سنوات حكم حافظ الأسد وولده ما وقع على الشعب السوري كله. أما الثانية، فهي ضرورة قطع الطريق على أي تنظيم من التنظيمات الإرهابية وعلى أي حزب شمولي ومنعه من اختطاف الحكم كما اختطفه «الإخوان المسلمون» في مصر وأوصلوا البلاد إلى ما وصلت إليه.