في عيني، شكلها يُشبه الأديرة الرومانية، أو صوامع الرهبان، وأعني المبخرة التي نُحرق بها عود الطيب. ومعروف فيزيائياً أن الشكل الدائرى للإناء يُساعد على جعل عمود الدخان يرتفع إلى الأعلى عموديا، وليس جعل المبخرة مربعة الشكل ذات بروز بأربع زوايا تُشبه مقار رهبنة أو عبادة أو قرابين.. وأهل الصنعة يتفقون مع ما جاء في أكثر المسوغات بأن الموجود من البخور في الأسواق هو المُصنّع وهو الدارج الآن بسبب غلاء الطبيعي ويُصنع في أندونيسيا وبعض البلدان وهو مصنوع من خشب الشجر العادي وهي ليست أعوادًا طبيعية، فيُصبغ باللون الأسود بواسطة أفران حرارية ورمال ساخنة جداً ويُصب عليها دهن عود، بحيث إذا أشعلت هذا العود أعطاك رائحة بُخور خفيفة تُزبد وهو يأتي كقطع ثقيلة، صعبة الكسر أو الثني. وعادة الإكرام بالبخور موجودة فقط في جزيرة العرب. واجتهدت كتابات فقالت إن عادة حرق أعواد البخور للتطيّب جاءت من طقوس دينية هندوسية. وقال بعضهم بوذية وتقاليد ورثناها وارتحنا لها، فما أقوله هو الرؤية والمعاينة فقط وليس بحثاً وتعمقاً. لكن أُصر على أن البخور والمبخرة لم يرد أنهما كانتا ضمن تقاليد العرب، أو طريقتهم في إكرام القادم والضيف. ويبدو أننا كمجتمع لم نكتف بالمبخرة كوعاء إحراق عود البخور، فوضعناها بمجسمات في ميادين عامة كلفت قدرا من المال . لا أعلم عن ماذا نريد أن نقول للرائي . ووجدتُ - شخصيا - بحوثاً عن ماذا تعني المبخرة لو جاءت عبر حلم أو رؤيا. جذبني شكل مباخر يحملها شباب في مناسبة زواج . ما أوحى إليّ أنه حتى المباخر استحالت إلى تصنيف إنتاجي. فهناك مباخر عادية ومباخر راقية وثمينة ومباخر (بريستيج) للباحثين عن التميّز، وكلّ حسب قدرته المالية في دفع مصاريف خدمة تولّي طلبات المؤسسة المتعهّدة. ولا تزال - في كل الأحوال - تلك الأوعية تحمل ذات الشكل ذي الأبراج الأربعة . انتقل العود وعادة حرقه تلك إلى مطاعم يرتادها أثرياء قومنا في الغرب، وقربوه من الموائد. لكن ملاك المطاعم تلك لم يبالغوا باستعماله. أولا لغلاء سعره، وثانيا لتحفظات بعض الرواد من غير عشاقه. وأيضا تعليمات منع التدخين. وبعض المطاعم تلك يشم فيها الزبون رائحة البخور دون أن يرى دخاناً. ولابد أنهم وجدوا وسيلة لاكتمال الترحيب دون دخان. وجاء العود في المعجم الإنجليزي باسم Frankincense - وقد عرفوه منذ قرون بدليل أن معجم الاشتقاقات والجذور يقول إن الكلمة استُعملت في أواخر القرن الميلادي الرابع عشر، حاملة الابتداء Franc - التي عنت النّبل. وعانى أهلنا من قلة معرفة وسيلة استعمال المبخرة الكهربائية، وظنوا أنه لابد من الفحم .. !، وبعضهم غلّف أرضيتها بالقصدير من باب الحرص على النظافة والإدامة . لكنه فوجىء بتغير الرائحة واضطراب أداء المبخرة.