قبل أكثر من 15 عاماً كتب الأستاذ الناقد جهاد فاضل عن ظاهرة شعرية سماها "النص الجماعي" وهي الظاهرة الأبرز التي يشتكي منها كثير من مُتابعي ساحة الشعر الشعبي بما فيهم الشعراء أنفسهم هذه الأيام، وقال: "إننا مبتلون بظاهرتين سلبيتين، ظاهرة "النص الجماعي" حيث تبدو كل الإضافات والمستجدات على الساحة الأدبية وكأنها امتداد ممل لنص واحد يشترك الجميع في تطويله، وبنفس النفس والمفردات العائمة، وظاهرة "النقد الجماعي" حيث يعتبر الناقد أنه ناطق باسم مدرسة نقدية مُعينة تعتمد آراء من سبقوه من المنتمين إليها آراءه الخاصة ولذلك ليس هناك نظرة نقدية خارج التوجه العام". لم تكُن شكوى الناقد جهاد فاضل من ظاهرة (النص الجماعي) وتشابه القصائد هي الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة أيضاً، فقد رُوي أن الشاعر الأخطل وفد على معاوية رضي الله عنه، فقال: "إني قد امتدحتك بأبيات فاسمعها، فقال معاوية: إن كُنت شبهتني بالحية، أو الأسد، أو الصقر، فلا حاجة لي بها". ونُلاحظ أن استباق معاوية بتقديم اشتراط معين على الشاعر قبل إلقاء قصيدته هو في حقيقة الأمر تعبير عن الرفض للنص الجماعي، والسأم من كثرة الأوصاف التي يستنسخها الشعراء من بعضهم البعض دون كبير اهتمام بكد قرائحهم وإبهاج الممدوح بابتكار شعري جديد. وينطبق الحديث السابق عن النص الجماعي على وضع الشعر في أيامنا هذه إلى حد كبير، إذ أصبحت مُعظم القصائد مُتشابهة من ناحية عجزها عن إثارة أي مشاعر إيجابية لدى المتلقين، وأصبح الواحد منّا يستمع إلى الشاعر وهو غير واثق من إمكانية الاستماع إلى نص جديد وأكثر توقعاً لسماع نص استمع إليه من عدد غير قليل من الشعراء، ومما يُضاعف من الإحساس بتشابه القصائد والشعراء وفرة الشعر في وسائل الإعلام ووجود رغبة جماعية لدى كثير من الناس في اطلاع الآخرين على كُل ما ينظمونه، وفي وسط الكم الهائل من القصائد لا تجد سوى قليل من القصائد التي تنتمي للشعر الحقيقي أو المُختلف عن السائد والمألوف، وأظن أن الشكوى من تشابه القصائد واختفاء ملامح الإبداع عند الشعراء ستستمر لفترات طويلة جداً ما دام في كثير من وسائل الإعلام مساحة من الضوء تُسلط على تلك القصائد المتشابهة والشعراء المتشابهين. أخيراً يقول حمود البقمي: كل ما جيت اجتماع ألقى وليمة نيةٍ يوكل لحمها دم دايم كذب ومهايط وغيبة مع نميمة يا عساني عن لحوم الناس صايم