×
محافظة المنطقة الشرقية

أبرز النقاط في تقرير الأمم المتحدة حول الأسلحة الكيماوية في سوريا

صورة الخبر

تظل وصفة النجاح غامضة في هوليوود حتى بالنسبة إلى كبرائها، فقد تتوافر لفيلم ما كل عناصر النجاح ويفشل ببساطة ويكون كارثة على منتجيه، والعكس تماماً بالنسبة إلى أفلام ذات ميزانيات محدودة وأفكار بسيطة تحقق نجاحاً كاسحاً ومفاجئاً حتى لصناعها، والأمثلة كثيرة من الجانبين، وأحدثها فيلم Mud الذي لقي استقبالاً نقدياً مميزاً في أمريكا وما زالت أسهمه ترتفع باطراد كما احتفي به في مهرجان "كان" السينمائي الأخير عندما رشح لسعفته الذهبية، ومع ذلك لم ينل النجاح التجاري المتوقع لفيلم يحكي قصة رومانسية "شعبية" حيث حقق فقط 26 مليون دولار عوضت على الأقل ميزانيته التي لم تجتز حاجز العشرة ملايين دولار. الفيلم أخرجه الشاب جيف نيكولز في ثالث تجاربه الطويلة بعد فيلميه الممتازين (Take Shelter 2011) و(Shotgun Stories 2007) ولعب بطولته النجم ماثيو مكونهي صاحب الكاريزما الجذابة الذي يؤدي هنا دور مجرم هارب من السجن يعود إلى مسقط رأسه على أطراف نهر المسيسيبي فقط من أجل لقاء حبيبته. وتؤدي النجمة ريسي ويذرسبون دور هذه الحبيبة التي تنتظر رجلها بشوق عارم مشوب بالخوف من رجال الشرطة والمجرمين الذين يحاصرون مقر سكنها. فيما يؤدي الصبيين داي شيردان وجاكوب لوفلاند دوري الوسيطين بين المجرم الهارب وحبيبته، في أجواء تذكّر بعوالم مارك توين في روايتيه الشهيرتين "أوليفر تويست" و"مغامرات هاكلبيري فين". مبعث الحيرة في الفيلم أنه مبتذل وسطحي ولا يستحق النجاح النقدي الذي حققه في مهرجان "كان" وفي الصحف والمواقع الأمريكية، وفي ذات الوقت لا يستحق الفشل التجاري الذي أصابه نظراً لأن قصته "شعبية" ورومانسية وبسيطة تلائم كثيراً شباك التذاكر، خاصة أنه يقدم شكلاً جديداً للرومانسية يتمثل في التحدي الذي ينبغي على العاشق تجاوزه قبل أن يتمكن من الوصول لحبيبته، فهذا المجرم الهارب الذي فر بنجاح من السجن وضع حريته على المحك بعد إصراره على العودة إلى الديار للالتقاء بامرأته ومحاولة إقناعها بأن تهرب معه إلى المجهول, وهي بدورها متلهفة للقاء الحبيب لكنها حائرة أمام طلبه المستحيل وتخشى أن يقبض عليه رجال الشرطة المتربصين في الخارج. مثل هذا الخط الرومانسي المباشر، وغير العميق، والجديد أيضاً، يعتبر في حد ذاته وصفة نجاح بمقاييس هوليود، وإذا أضيفت له كاريزما البطلين، وطبيعة علاقتهما المتذبذبة بين شك وألم وحب صادق، وسذاجة الطفولة التي يمثلها الطفلان "رسولا الغرام"، فسيمتلك الفيلم ذات الوصفة التي توفرت لروائع رومانسية قديمة، مثل فيلم (حكاية حب-Love Story)، وفيلم (روميو وجولييت-Romeo and Juliet) للإيطالي فرانكو زافريللي، وفيلم (تايتانيك -Titanic)، وفيلم The Notebook؛ حيث الخط الرومانسي يحلق وحيداً بوضوح تام ودون أن تخالطه أفكار أخرى قد تربك مشاعر الحب. ومن هنا فإن الفيلم -وإن بدا سطحياً- يحقق شروط النجاح الهوليودي المتعارف عليها, لكنه عوضاً عن ذلك يخفق تجارياً وينجح نقدياً. لقد جرت العادة أن النجاح النقدي للأفلام الرومانسية مرهون بعمق العلاقة بين الحبيبين وبتأملها وتحليلها نفسياً وشعورياً بشكل "فني" خالص قد لا يكون مقبولاً للمشاهد البسيط، لذلك نراها تنجح في المهرجانات أكثر من الصالات، مثل فيلم (المريض الإنجليزي-The English Patient)، وفيلم (جسور بلدة ماديسون- The Bridges of Madison County)، وفيلم (بقايا اليوم-The Remains of the Day)، ففي هذه الأفلام تخضع العاطفة للتأمل بحثاً عن تفسير علاقة الحبيب بحبيبه، وعمق كهذا ليس موجوداً في فيلم Mud وبالتالي لا يمكن فهم الاحتفاء النقدي الذي قوبل به. هل السبب هو الكاتب العظيم مارك توين وعوالمه الحالمة المرتبطة بنهر المسيسيبي التي سعى المخرج نيكولز لإبرازها عبر حكاية الطفلين الشبيهين بأوليفر وهاكلبيري؟ أي أن الفيلم مجرد حكاية تجري في هذا العالم الروائي المتخيّل ولا تخضع للمنطق العادي؟ بعض النقاد الأمريكيين أشاروا إلى شيء من ذلك لكن وقائع الفيلم تنفي عنه هذه الصورة الحالمة، فما يجري هو واقع حقيقي يسير وفق المنطق الطبيعي، بحدثٍ بسيط وصورة بسيطة وشخصيات أبسط، وعلى هذا الأساس لا يمكن قبول مشاهد القتال في الفيلم، ولا بطولات الطفلين واختراقهما لحواجز الشرطة والمجرمين دون أن يمسهما أذى، لأن ذلك ضد منطق الفيلم ذاته. قد تبدو بساطة الفيلم وسطحيته وابتذاله مفهومة من حيث أنها مواصفات مطلوبة لفيلم رومانسي يعتمد اعتماداً كلياً على علاقة الحبيب بحبيبته ولا يريد أن يشتت انتباه المشاهد عنها، لكن ما لا يمكن تفسيره قدرته على تحدي منطق هوليود وتحقيقه لنجاح نقدي بلباسٍ تجاري.