القاهرة: خالد محمود وصفت الحكومة الانتقالية في ليبيا، المحكمة الدستورية العليا التي قضت أول من أمس بغياب الشرعية عن انتخاب أحمد معيتيق رئيسا للحكومة بدلا من رئيسها الحالي عبد الله الثني، بأنها سطرت صفحة مشرفة في تاريخ دولة ليبيا الحديث. وكان مقررا أن يعقد المؤتمر الوطني العام (البرلمان) أول جلسة علنية له بعد هذا الحكم مساء أمس بمقره في العاصمة الليبية طرابلس، حيث كان من المتوقع أن يعهد من جديد إلى الثني بتشكيل الحكومة الجديدة أو الاستمرار في مهام عمله كرئيس لحكومة تسيير الأعمال. وأكدت الحكومة، في بيان أصدرته أمس، أن هذا الحكم يؤكد على نزاهة القضاء الليبي وحياديته واستقلاله، وعلى إعلاء كلمة الحق، واحترام سيادة القانون. وأعربت عن تقديرها للمؤتمر الوطني لقبوله بحكم المحكمة لترسيخ مبدأ اللجوء إلى القضاء الذي أرساه العاهل الليبي الراحل إدريس الأول. كما عبرت الحكومة عن تقديرها لمعيتيق، وعدت قبوله للحكم يحسب له كبادرة طيبة في تثبيت «دولة القانون» والمؤسسات. وبعدما دعت الليبيين إلى التعاون معها في هذه المرحلة الانتقالية الحساسة للعبور بالبلد إلى الانتخابات المقبلة لمجلس النواب، تعهدت حكومة الثني بأنها ستواصل تأدية مهامها في خدمة الشعب، وستدعم المفوضية العليا للانتخابات والهيئة التأسيسية لصياغة الدستور، للوصول بليبيا إلى الدولة الجديدة التي ثار من أجلها الشعب الليبي. وكانت المحكمة العليا الليبية قد قضت بغياب الشرعية عن انتخاب معيتيق رئيسا للوزراء، واضعة بذلك حدا لبلبلة سياسية قضائية في ليبيا حيث تتنازع حكومتان شرعية السلطة. ورحب الممثل الخاص للأمم المتحدة في ليبيا طارق متري بقرار المحكمة، لكنه حذر في الوقت نفسه من أن الأزمة السياسية في البلاد قد لا تجد حلا خلال فترة قريبة. وقال متري، في بيان إحاطة قدمه أمس أمام اجتماع مجلس الأمن تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه، إن قرار المحكمة مهم ودليل أمل، إلا أن هذا الأمر لن يحل الأزمة السياسية، لكنه يفتح الباب على الأقل أمام عودة إلى الحياة السياسية الطبيعية، مضيفا بقوله «لن نألو جهدا للحيلولة دون غرق ليبيا أكثر فأكثر في أعمال العنف، وأعتزم جمع نحو خمسين شخصا من سياسيين ومسؤولين من المجتمع المدني وزعماء قبائل يومي 18 و19 من الشهر الحالي للبحث في مستقبل البلاد». ولفت إلى أن الأسابيع القليلة الماضية شهدت تطورات أمنية مهمة، أهمها تحرك اللواء المتقاعد خليفة حفتر في منتصف الشهر الماضي لنشر بعض الوحدات المنتمية للجيش الوطني الليبي، إلى جانب بعض العناصر المسلحة ذات الانتماءات القبلية، ضد الجماعات التي وصفها بالإرهابية وحملها المسؤولية عن العنف والاغتيالات في بنغازي ومناطق أخرى من الشرق الليبي. وأوضح متري أن العملية العسكرية المعروفة باسم «عملية الكرامة» حازت قدرا من التأييد، مشيرا إلى أن هناك أيضا من يتهمون اللواء حفتر بالسعي إلى الإطاحة بمؤسسات الدولة المنتخبة بطريقة شرعية واستخدام تهديد الإرهاب ذريعة لما سموه «انقلابا». وشدد متري على أن أي استراتيجية مجدية طويلة الأمد لمعالجة هذه الظاهرة واجتثاث الإرهاب لا يمكن أن تخرج من مبادرات أحادية وخارجية، ولا يمكن أن تقتصر على الحلول العسكرية. ورأى أنه يجب وضع حد للعنف الذي يمارس بحق المدنيين في بنغازي. كما عد محاكمة 37 من رموز النظام السابق، بينهم سيف الإسلام نجل العقيد الراحل معمر القذافي وصهره عبد الله السنوسي رئيس جهاز المخابرات الليبية السابق، اختبارا حاسما لاستعداد ليبيا وقدرتها على عقد محاكمات عادلة. وقال متري إن المحاكم الوطنية توقفت عن العمل في عدة مناطق ومدن ليبية، احتجاجا على الهجمات التي تطال القضاة، وغياب توافر الظروف الأمنية الكافية لأداء المحاكم لمهامها بشكل مريح، مشيرا إلى أن عدد المحتجزين في أماكن الاعتقال منذ مارس (آذار) الماضي والذين يخضعون لسلطة الشرطة القضائية بلغ نحو 6200 سجين، جرت محاكمة عشرة في المائة منهم فقط. لكن الصفحة الرسمية لعملية الكرامة على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، التي يقودها حفتر، شنت في المقابل أمس هجوما حادا على متري والشيخ الصادق الغرياني مفتي البلاد، قائلة إنهما وجهان لعملة واحدة. ورأت أن المفتي «متلاعب به ومسيطر عليه من قبل المتأسلمين وميليشياتهم ودولة قطر، وبالتالي هو ضد أي عملية بناء وتفعيل للجيش والشرطة حتى وإن دافع ضباط الجيش والشرطة عن أنفسهم». وكان المفتي قد حث الشعب الليبي على مواجهة حفتر وقواته ومحاربتهم، معتبرا أن كل من يقف بجانب اللواء المتقاعد خارج عن طاعة ولي الأمر. وقال الغرياني، في تصريح بثته قناة «الوطنية» الرسمية مساء أول من أمس «إن من ينضم إلى حفتر ويموت معه، يخشى أن يموت ميتة جاهلية، وكل من يقاتله ويموت فهو شهيد، وفي سبيل الله». وأضاف أن «ما قلته تتبناه دار الإفتاء وموجود على صفحتها الرسمية على الإنترنت، واليوم نريد تأكيد ذلك. نقول لمن يحارب مع حفتر إنكم بغاة خارجون عن طاعة ولي الأمر الواجبة طاعته شرعا، تقتلون الناس ظلما وعلى الناس أن يقاتلوكم لأنكم بغاة». وفي غضون ذلك، أعلنت قوات اللواء حفتر أن عملية الكرامة التي تشنها ضد المتطرفين في ليبيا منذ الشهر الماضي، خاصة في مدينة بنغازي بشرق البلاد، دخلت اعتبارا من مساء أول من أمس ما وصفته بالمرحلة الثانية، بينما ما زالت ميليشيات إسلامية متطرفة تستعرض قواتها في بعض شوارع المدينة لتأكيد وجودها. وقالت القيادة العامة للجيش الوطني الذي يقوده حفتر في بيان مقتضب أمس إن المرحلة الثانية من عملية الكرامة قد بدأت، مشيرة إلى أن طائرة تابعة لسلاح الجو الموالي لحفتر قصفت أحد مخازن الأسلحة في منطقة قنفودة بغرب بنغازي. وأكد مصدر عسكري أن المخزن التابع لآمر قوة درع «ليبيا 1» وسام بن حميد، كان مليئا بالذخائر والأسلحة وبعض السيارات المسلحة، لافتا إلى أن «سلاح الجو سيستهدف بقية مخازن الأسلحة، والأوكار التي يتحصن بها المتطرفون باعتبارها هدفا شرعيا». في المقابل، قال سكان محليون لـ«الشرق الأوسط» إن سيارات تحمل أعلام «القاعدة» شوهدت تسير بوسط بنغازي في محاولة على ما يبدو لاستفزاز الموالين لحفتر، لكن السكان لم يبالوا بهم. وتعكس هذه المشاهد المتناقضة صورة حقيقية للواقع العسكري والأمني الذي تعيشه بنغازي ثانية كبريات المدن الليبية ومهد الانتفاضة الشعبية التي دعمها حلف شمال الأطلنطي (الناتو) ضد نظام العقيد الراحل معمر القذافي عام 2011. ومع مرور بضعة أسابيع على عملية الكرامة التي حظيت بزخم إعلامي وتأييد شعبي واسع النطاق خاصة في بنغازي، التي كانت مسرحا لعمليات قتل مستمرة استهدفت ضباط الجيش والشرطة والناشطين السياسيين والإعلاميين، فإن الاستراتيجية التي تتبعها قوات اللواء حفتر في قتال المتشددين تبدو بطيئة نسبية مقارنة بتطلعات رجل الشارع العادي الذي يطمح إلى الخلاص من القبضة الحديدية التي يفرضها جيش مختلط من الإسلاميين المتطرفين على المدينة. في غضون ذلك، أعلنت مصادر ليبية أن مدينة درنة التي تعد المعقل الرئيس للجماعات الإسلامية المتطرفة في شرق ليبيا، تشهد منذ يومين مواجهات عنيفة بين تنظيمين متطرفين، أحدهما على علاقة بالجهاديين في سوريا. وقالت وكالة الأنباء المحلية إن تفجيرا عنيفا استهدف مساء أول من أمس منزل أسرة أحد قياديي كتيبة شهداء «أبو سليم» بحي باب شيحا بمدينة درنة، مما تسبب في تحطم واجهة المنزل وإصابته بأضرار جسيمة، بالإضافة إلى حالة من الذعر والهلع بين السكان المحيطين. ونقلت عن شهود عيان أن اشتباكا بالأسلحة الخفيفة وقع لاحقا، بعد محاولة شخصين نسف سيارة عطية سعيد الشاعري، الآمر العسكري للكتيبة، الذي تمكن من إصابتهما قبل أن يتضح أنهما من المنتمين لكتيبة البتار التابعة لتنظيم جيش دولة العراق والشام الإسلامية.