لم تكد تمر 24 ساعة على فتح وكالة المخابرات المركزية الأمريكية صفحة لها على تويتر حتى تجاوز عدد متابعيها 507 آلاف، أطلقت خلالها تغريدتين واعادة تغريدة واحدة، في حين تم متابعة 25 حساباً جميعها حكومية وذات علاقة. تغريدتهم الأولى كانت لافتة وذات مغزى، حيث قالت «لا نستطيع أن نؤكد ولا أن ننفي أن هذه هي تغريدتنا الأولى». تغريدتهم الثانية كانت «شكراً لكم على الترحيب بنا على تويتر ونتطلع الى مشاركتكم بالكثير من معلوماتنا غير السرية». أما تواصلهم الثالث فكان عبارة عن اعادة لتغريدة جامعة جورج تاون الترحيبية بهم التي أشاروا فيها الى مؤتمرهم القادم المشترك مع الـ CIA والذي يعتبر أول مؤتمر عام تعقده الوكالة حول الأمن القومي ويتحدث فيه أكاديميون ومتخصصون في العمل المخابراتي. التغريدة الأولى حملت تصريحاً ضمنياً بإمكانية قيام الوكالة باطلاق تغريدات سابقة باسم أو أسماء أخرى مستعارة، وهذا في الواقع ليس مفاجئاً، بل أنه يمكن القول بأن الـ CIA اضافة الى العديد من أجهزة المخابرات الأخرى تتواجد بكثافة على شبكات التواصل الاجتماعي والتي تعتبر مصدراً مريحاً وآمناً ومنخفض التكلفة يمكن من خلاله جمع معلومات متنوعة عن ميول الناس وتوجهاتهم. ليس هذا فحسب، بل أنه ثبت قيام كثير من أجهزة الاستخبارات - تسمى أحيانا جيوش الكترونية- بإيجاد موطىء قدم لهم داخل تلك الشبكات يهدف الى ممارسة الحرب النفسية وتحريك الرأي العام في اتجاهات محددة مدروسة بعناية يهدف بعضها الى نشر الاحباط والتشاؤم أو اثارة فتن طائفية وغير ذلك. وعلى صعيد آخر فان التواجد الأمني على شبكات التواصل أصبح ضرورة حتمية لمواجهة الانتشار الخطير لعصابات الجريمة المنظمة وجماعات الفكر الإرهابي والمتطرف. التواجد المخابراتي الخفي على شبكات التواصل الاجتماعي هو اذاً أمر ليس بالجديد. الجديد هو في أخذ ذلك شكلاً علنياً عبرت عنه وكالة المخابرات الأمريكية بأنه يهدف الى التواصل المباشر مع الجماهير وايصال رسالتها اليهم بشكل أفضل وتزويدهم بمهام الوكالة وتاريخها، اضافة الى الكثير من المعلومات «غير السرية».. مع ملاحظة أن أي معلومات «غير سرية» تقوم تلك الوكالة بوضعها للعموم لن تكون بلا هدف أو لمجرد الترفيه، بل انها معلومات يقصد بها أمر ما غير معلن. ما يستفاد من كل ما سبق هو أن مجتمعات الانترنت الافتراضية أصبحت ساحة، بل ثغرة مفتوحة في عمق كل بلد بدون استثناء، تتواجد عليها الكثير من قوى الخير وقوى الشر في نفس الوقت، وهذا يتطلب مزيداً من الحرص والوعي على كافة الأصعدة ومختلف المستويات. تواجد الـ CIA المعلن على شبكات التواصل وفق الأهداف التي ذكروها هو أيضا دليل دامغ على الأهمية والتأثير الذي تحظى به تلك الشبكات وبأن حتمية التوظيف النشط لها لم تعد تقتصر على جهات حكومية دون أخرى.. المهم أن يكون ذلك التواجد والتوظيف تفاعلياً ومدروساً وقادراً على إعطاء الناس صورة ايجابية حقيقية عبر ما يقدمه من معلومات وخدمات. أخيراً لا بد من الاشارة الى ذلك المؤتمر المفتوح بين الـ CIA وجامعة جورج تاون لنقاش قضايا هامة لم يكن من المتخيل طرحها بشكل عام قبل أقل من عقدين من الزمن، ومن ضمن تلك القضايا تطورات العمل المخابراتي في القرن الواحد والعشرين والمخاطر الناتجة عن التطورات التكنلوجية وأمن المعلومات، اضافة الى التوازن بين عاملي السرية والشفافية.. العالم اذاً يتغير بسرعة ويتطلب في المقابل تغيرات سريعة وفكراً جريئاً غير تقليدي في جميع المجالات وأكثرها حساسية.