مع نهاية الربيع الجاري، بدا لبنان كأنه يهمّ بالوصول إلى خط النهاية في سباق البثّ التلفزيوني الرقمي، لكنه خطواته لم تتجاوز سرعة السلاحف. في القصة التقليدية المعروفة، فازت السلحفاة على الأرنب لأنه لم يفهم أهمية الوصول إلى خط النهاية. في الحال اللبناني، أبدى لبنان تأخّراً في الانتقال إلى الرقمي، فيما وصلت إليه معظم الدول العربية خصوصاً الخليجية منها. لم تكن تلك عادة لبنان في التقنية، خصوصاً في التلفزيون الذي كان سبّاقاً فيه عربيّاً وشرق أوسطيّاً. مع نهاية نيسان (أبريل) 2014، غطّى البثّ المتلفز الرقمي معظم لبنان عبر مناطق بيروت وجبل لبنان وأجزاء من البقاع والشمال والجنوب، عبر 8 مواقع للإرسال. وتجدر الاشارة الى ان البثّ الرقمي التجريبي لم يكلّف الدولة أعباء مالية، ولا التزاماً تجاه الشركات التي شاركت في هذه العملية، وفق ما أوضح الدكتور عماد حب الله، رئيس «اللجنة الوطنية للانتقال إلى البثّ التلفزيوني الرقمي الأرضي». وأوضح وزير الإعلام رمزي جريج أن الرقمي بات أساس البثّ الإذاعي والمتلفز، «انسجاماً مع توقيع لبنان مع 116 دولة، على اتفاقية جنيف في العام 2006 وهي تنص على وجوب الانتقال من البثّ التماثلي («أنالوغ» Analogue) إلى البثّ الرقمي». وإذ يمثّل 17 حزيران ( يونيو) 2015 موعداً نهائيّاً للانتقال إلى «ديجيتال»، بمعنى إنهاء الحماية عن الخدمات التماثليّة، ألمح وزير الإعلام إلى إمكان التأخّر في انجاز ذلك الانتقال. ورسميّاً، انتهت المرحلة الاولى من البثّ التجريبي مع نهاية شهر نيسان الماضي. وتتعثّر خطوات لبنان في البث الرقمي على رغم تأكيد الأقنية التلفزيونيّة اللبنانيّة جاهزيتها، ربما تحت تأثير أزمات السياسة والاقتصاد. ولأن الأمر يتطلّب أن يشتري الجمهور أجهزة تتوافق مع البث الرقمي، يعتقد مسؤولون في الأقنية اللبنانيّة بأن المسؤولية تقع على وزارة الإعلام في شرح فوائد البثّ الرقمي للجمهور الواسع. وإذ يعتبر «تلفزيون لبنان» المحطة الأم في البلد، وهو الراعي للبث أرضياً، أوضح مديره العام طلال المقدسي أن العمل جارٍ في تلك المحطة لإنجاز الانتقال إلى الرقمي. وأكّد أن أبراج الإرسال في «تلفزيون لبنان» تخضع للتأهيل بما يتوافق مع متطلبات البثّ الرقمي الذي يهدّد عدم الوصول إليه بتوقّف القنوات اللبنانيّة كافة عن البثّ لبنانيّاً. وعبّر المقدسي عن قلقه من التراخي «الرسمي» في هذا الموضوع، مشيراً الى أنّ الأمر يتطلب تأهيل 36 برج إرسال في لبنان، 19 منها عائدة لـ «تلفزيون لبنان». قفزة إجباريّة ولكن... في سياق متّصل ومستقل، أوضح رئيس مجلس إدارة «المؤسسة اللبنانيّة للإرسال» بيار الضاهر أنّ المحطات باتت مجبرة على الانتقال إلى البثّ الرقمي في مهلة أقصاها سنتين، وعلى الدولة أن تنسق شبكة موحدة تحت جناح «تلفزيون لبنان». «ستصبح هناك شركة لإعادة توزيع القنوات الأرضية عبر النظام الجديد، مع وجود بنية تحتية خاصة بها. وفي حال عدم إنشاء مركز موحّد، سوف تضطر كل محطة إلى إجراء تعديلات تقنيّة كي تنتقل إلى الرقمي»، وفق كلمات الضاهر. وإذ لن تكون محطات التلفزة الأرضية محميّة بعد 15 حزيران 2015، يثير احتمال الفشل في اتمام الانتقال إلى الرقمي، توتّراً لدى المعنيين. وإضافة إلى إمكان حصول تشويش من دول مجاورة لديها بث رقمي، ثمة خطر بالتضييق على شبكات الخليوي في لبنان. كما يؤدي الانتقال إلى الرقمي إلى تفريغ مساحة من تردّدات موجات البث، بقرابة 170 ميغاواط، الأمر الذي يدر على الموازنة ملايين الدولارات. ولاحظ رئيس المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع عبد الهادي محفوظ، وجود تأخّر نسبي في الانتقال إلى النظام الرقمي. كذلك أشار إلى أن قانون الإعلام الموحد الجديد الذي يجري العمل عليه في البرلمان ينصّ على النظام الرقمي. من الواضح أن لبنان تأخّر عن الركب العالمي في مواكبة التطور التقني في البثّ المرئي- المسموع، لا سيما تطوير القطاع الإعلامي. كذلك أدى التأخّر إلى خسارة تراخيص كان ممكنّاً إصدارها، وخدمات يمكن تقديمها. وكلا الأمرين كان من شأنهما المساهمة في شكل أساسي في تطوير المجتمع، ودفعه باتجاه الوصول إلى تحقيق مجتمع المعلومات. وشرح رئيس «اللجنة الوطنية للانتقال إلى البثّ التلفزيوني الرقمي الأرضي» تبعات عدم الالتزام بالمدة المحددة للبدء بالبثّ الرقمي، مشيــراً إلى أن عــدم الالتزام بالمدة المحددة سـوف يــرتـــب أعباء ومخاطر متنوّعة يمكن اختصارها بالتالي: - إظهار لبنان بهيئة عدم الإيفاء بالالتزامات الدولية، بأثر من عدم تنفيذه اتفاقية مُصادق عليها دوليّاً وهي تحدّد 17 حزيران2015 موعداً نهائي لايقاف البثّ التماثلي الأرضي والغاء الحماية من التشويش على تلك التردّدات. - عدم الاستفادة من الفائض الرقمي الناتج من التردّدات التي سيجري توفيرها عند إخلاء تردّدات البثّ التماثلي، مع خسارة لبنان حقه في استخدام تلك التردّدات، إضافة إلى فقدانه الحماية على استخدام تردّدات البث التماثلي بعد 17 حزيران 2015، ما يلغي حق لبنان في الشكوى أو الاعتراض على التشويش الذي يمكن أن تتعرض له شبكات البثّ التماثلي. - عدم توافر أجهزة استقبال تماثليّة بأثر من انتهاء عمرها الافتراضي، بالتالي تحوّل لبنان مركزاً لتجميع النفايات الالكترونية التي يجري التخلّص منها عالميّاً. من الناحية الاقتصاديّة، سيكون للتخلف عن السير في البثّ الرقمي، كما يقول حب الله، تأثير سلبي على الاقتصاد. إذ يخسر لبنان عائدات يمكن أن تحصلها الخزينة من فائض موجات البث وتردّادتها، وهو فائض يحدث عند الانتقال من البثّ التماثلي إلى الرقمي. يضاف إلى ذلك، الخسارة الناتجة عن فقدان استثمارات يمكن الاستفادة منها في قطاعي الإعلام والاتصالات، وكذلك خسارة إمكان تأمين فرص عمل جديدة. علوم وتكنولوجيا