قصص وقضايا إنسانية عديدة ومؤلمة تمر علينا أحياناً، إما أن نعايشها بصورة مباشرة أو نسمع عنها عبر مصادر حولنا، ترانا كيف نتعاطى ونتصرف حولها؟ وهل يقوم كل واحد منا بواجبه الإنساني تجاهها؟ وددت المشاركة هنا في تلمُّس بعض القضايا التي مرت عليَّ في الفترة الأخيرة، وعرض نماذج منها بغرض إثارة الوعي حولها، والتنبيه إليها وإلى بعض مخاطرها على الفرد والمجتمع، والتأكيد على أهمية النظر إليها كمشكلات حقيقية بحاجة إلى تصدٍّ ومعالجة. كم من عامل وافد أو عاملة مستأجرة اضطرتهم ظروف الحياة إلى ترك الأهل والعائلة، ورمت بهم الأقدار للعيش بيننا والعمل للحصول على ما يسد الحاجة! يجتهد كل منهم أن يكون مقتصداً كي يتمكن من إعاشة أسرته البعيدة، ولكنه في سبيل ذلك يشقى، ويعمل بأجر متدنٍّ ويلقى معاملة بالغة القسوة أحياناً، ويتحمل الإهانات، ومع ذلك فإنه قد لا يحصل على راتبه البسيط هذا في وقته المحدد. اتصل بي أحدهم بعد أن أوقفه كفيله عن العمل منذ 9 أشهر مطالباً إياه بتسديد مبالغ مالية عليه، وهو لا يملك أي مصدر آخر للدخل، فوقع في حيرة، حيث لا يتمكن من التسديد ولا الحصول على عمل آخر ولا السفر والعودة إلى بلاده، مما جعل الديون تتراكم عليه لأصدقائه. لم تكن بيده أي حيلة، ولم يتمكن من الحصول على أي نتيجة من قِبل الجهات العمالية والقضائية التي لجأ إليها. وكم من إنسان تعرَّض لإهمال أو خطأ طبي أفقده حياته، أو سبَّب له عجزاً مزمناً، وتحولت بسبب ذلك حياة عائلته إلى جحيم لا يُطاق، وأغلب الناس بالطبع لا يعرف أصلاً كيف يتعامل مع مثل هذه المواقف والحالات من النواحي القانونية والإدارية. وكم من شخص يواجه مظالم وانتهاكات بسبب تسلُّط مسؤول وتجاوزه حدوده واستخدامه المفرط لسلطاته، فيكون هذا الفرد ضحية لسلوك غير قويم، وقد يدفع ثمناً باهظاً نتيجة لذلك، يحدث هذا أحياناً بسبب تجاهل هذا المسؤول النظام وعدم احترامه إياه، وتكون النتيجة ضرراً كبيراً يقع على المواطن. وكم من أم وزوجة مكلومة بسبب تغييب ابنها أو زوجها سنوات قد تطول دون أن تكون لها أي فرصة للتواصل والحديث معه. ما أصعب أن يكون أي واحد منا في موقف كهذا، حيث تمتزج المحبة بالألم، وطول الغياب بأمل اللقاء. أي صبر تتحمله مثل هذه المرأة! وأي تحدٍّ يجعلها صامدة محتسبة، تحسب ساعات الليل متضرعة عسى أن يستجيب الله لها ويأتي اللقاء! وكم من امرأة قادها حظها التعيس إلى الزواج من شخص لا يُقدر المسؤولية، فيستغلها بأبشع الصور، وعندما تحاول الانفصال للحصول على حريتها واستقلاليتها، يصب عليها جام غضبه بالتعنيف جسدياً ولفظياً، ويحرمها من رؤية أبنائها، ويستغلها مطالباً إياها بمبالغ كبيرة كي يوافق على الانفصال عنها. وكم من شاب متحمس للعمل أو للدراسة، أو شخص قضى عمره يعمل بكل جد وإخلاص، ويرغب في التقدم وتحقيق طموحاته، إلا أنه يواجَه بسلوك تمييزي في بيئة العمل بسبب لونه أو جنسه أو معتقده أو نسبه، فيظل أسيراً لعقدة التمييز التي تمارَس في بعض الأحيان كقانون غير مكتوب. ينتج عن ذلك إحباط لديه يدفعه إما إلى ترك الوظيفة أو الدراسة أو يضطر إلى التعايش مع هذه البيئة النتنة. أمام مختلف هذه القضايا وأشبابها، لا يكفي التعاطف النفسي مع ضحاياها، بل ينبغي أن يكون لكل واحد منا دور مسؤول تجاهها، كي ينال مثل هؤلاء الضحايا حقوقهم كاملة، ويشعروا بأن في مجتمعهم من لا يزال يحمل ضميراً إنسانياً وحساً وطنياً ينصر المظلوم ويشد على يديه. ولا تنتهي مثل هذه القضايا أو يُحد منها إلا عبر وجود هيئات ومؤسسات فعالة يمكن اللجوء إليها والاحتكام عندها، وتتلقى مختلف القضايا مهما كانت بسيطة أو صغيرة، فضياع الحقوق يبدأ من مثل هذه الأمور الشخصية التي تعتبر محدودة.