في حياتنا اليومية نلتقي العديد من الأشقاء العرب الذين تشهد بلدانهم حالة من عدم الاستقرار بعد ثورات الربيع العربي، وهؤلاء برأيي هم المرآة الحقيقية لما يجري في أوطانهم بدون تحريف أو رتوش. عندما حان موعد الانتخابات السورية التقيت بصديق لي من سورية فبادرني بالسؤال هل انتخب أم لا؟ فقلت له ليس من المعقول أن تشارك في انتخابات في بلد نصفه مُهجّر ونصفه الآخر تحت القصف، ثم إن النتيجة محسومة سلفاً لمن تلطخت يداه بدماء الأبرياء ولن يستطيع صوتك وصوت ملايين السوريين الذين ثاروا على النظام تغيير ذلك، فهل سيجرؤ أي سوري على التصويت ب(لا) لبشار الأسد؟ سكت صديقي قليلا وقال: كلامك في محله ولكنّ امتناعي سيعرض عائلتي للخطر لأن شبيحة النظام المنتشرين في كل مكان سيعتبرون أن من قاطع الانتخابات في صف المعارضة، وبالتالي أنا مجبر على التصويت شئت أم أبيت. انتهى الحوار يومها والتقينا مرة أخرى بعد أيام ليخبرني بأنّ السلطات الإماراتية كمعظم الدول العربية والأجنبية منعت مشاركة السوريين المقيمين على أراضيها من التصويت فبالتالي لم يعد مجبراً الآن على المشاركة. دارت الأيام والتقينا بعد يوم الانتخابات المقرر في سوريا فقال لي حتى قبل أن يرد التحية: هل تعلم بأني انتخبت الأسد؟! كيف وقد منعتم من المشاركة؟ فقال لي بأن والده في حلب جمع أوراقه وأوراق إخوته الثبوتية وتوجه بها إلى مركز الاقتراع وصوّت لهم بالجملة!! هذه قصة صديقي كما هي، ومثله ملايين السوريين الذين اختطف النظام أصواتهم بالتخويف والترهيب كما اختطف منهم حياتهم ومستقبلهم. في الخامس من يونيو الجاري أعلن رئيس مجلس الشعب محمد جهاد اللحام فوز الدكتور بشار حافظ الأسد بمنصب رئيس الجمهورية العربية السورية لولاية دستورية جديدة بحصوله على الأغلبية المطلقة من أصوات الناخبين المشاركين في الانتخابات إذ حصل على 10 ملايين و319 ألف صوت. هل يعقل أن يحصل الأسد على أكثر من عشرة ملايين صوت في بلد يبلغ عدد مواطنيه واحداً وعشرين مليون نسمة نصفهم ما بين نازح ولاجئ لا يحق لهم التصويت لأن خروجهم بأطفالهم وعائلاتهم هرباً من القصف والبراميل المتفجرة كان بطريقة غير شرعية كما يقول النظام!! وكيف تجاوز عدد الناخبين 11 مليوناً و500 ألف ناخب وهو ما يفوق بالضعف عدد سكان العاصمة دمشق والمحافظات الساحلية وما تبقى من المناطق القليلة الخاضعة لسيطرة النظام ناهيك عن السوريين المقيمين في الخارج الذين منعتهم معظم الدول من المشاركة؟ وإذا كانت هذه الأرقام صحيحة كما يدعي النظام فيبدو بأن الانتخابات الرئاسية السورية قد عقدت في مكان آخر، ربما في إيران أو العراق أو حتى في روسيا ولكن بالتأكيد ليس على الأراضي السورية حسب هذه النتائج والمعطيات. في الأخير.. يبدو أن الأموات قد صوتوا أيضاً لصالح إعادة انتخاب الأسد، وفي هذا الوصف واقعٌ ليس فيه مبالغة، واسألوا صناديق الاقتراع.