من الظواهر الفكرية الجيدة بعمومها أن يثير المجتمع قضايا للنقاش، تهم معاشه وثقافته، أحياناً جادة، وغير جادة في أحايين أكثر، وهي تعكس رأي شريحة لا تُهمل من الرأي العام، خاصة أن الفئة التي تتحدث متعلمة. السعودية قبل الصحوة موضوع هاشتاق على تويتر، لقي تفاعلاً كبيراً من مغردين مختلفي التوجهات، بين رأي جاد وآخر ساخر وثالث متهكم ورابع محرف وخامس مؤجج، وغيرهم. تلمح من رأي مؤيدي الموضوع الدفاع عن الصحوة الإسلامية في السعودية، كأن الإسلام اضمحل قبلها! الحقيقة أن مفهوم الصحوة أبعد من أن يكون في السعودية فقط؛ وذلك أن العولمة مسحت كثيراً من مظاهر التفريق بين ثقافات الشعوب؛ وهذا جعل شعوباً كثيرة ترجع إلى ما يميزها عن غيرها، وهي عقيدة الدين. يدل على ذلك ظهور اتجاهات دينية عدة في دول شتى، والنشاط المتزايد في التنصير وبناء الكنائس في دول الغرب، بل وصل للتصفية العرقية كما في الهند من الهندوس والنصارى في بعض دول إفريقيا الوسطى. وعلى الجانب السياسي ظهور المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية، وظهور الأحزاب الدينية المتشددة في الكيان الإسرائيلي، وحضور الكنفوشية في الصين، التي تأمل رجوع وفوز الحزب الديني بهاراتيا جاناتا الهندي الهندوسي القومي اليميني، ومرشحه مودي مع تورطه بقتل كثير من المسلمين 2002م بسبب العنصرية الدينية، وغير ذلك من رجوع مظاهر التديُّن، التي منها ظهور دعاة في السعودية قبل ثلاثين سنة تقريباً، وُصفت حركتهم للدعوة إلى الله بـالصحوة الإسلامية. إذاً، الصحوة الإسلامية في السعودية حقيقة، وهي رجوع لأخلاق الإسلام، وتحرك للدعوة إليه، خاصة مع ارتفاع أصوات كانت تنادي بالقومية والليبرالية وغيرها، وكذا فعل إمام الدعوة الإصلاحية الشيخ محمد بن عبدالوهاب حين رأى بُعد الناس عن التوحيد فكان رد الفعل ظهوره بالتجديد للدعوة إلى التوحيد، وكان خير من سانده ورفع لواء التوحيد الإمام محمد بن سعود - رحمهما الله جميعاً، وأدام بلاد التوحيد على عزٍ وتمكين وسؤدد. وهكذا يكون الرجوع للتدين عند البشر بعد ركود وبيات أو انهزام وذوبان لدينهم وعقيدتهم. المفكر الفرنسي أوندري مالرو تنبأ بمقاييسه بأن يكون القرن الحادي والعشرون قرن التديُّن! والسؤال المهم: هل يمكن أن نقود ونؤثر على العالم بعقيدتنا وأخلاق إسلامنا أم نبقى كما نحن مستهلكين للسلع وللأخلاق وحتى القناعات؟!!