تجري حاليًا في جامعات العالم المتقدم دراسات وأبحاث لتطوير نوع جديد من الحاسبات تحاكي -إلى حد ما- ما أودعه الله من إتقان في خلقة الجسم البشري الذي يحمل حاسبًا متفوقـًا جدًا (إن جازت التسمية) على الحاسبات الآلية المعروفة، قد يتبادر إلى الذهن بأن المقصود بذلك هـو الدماغ وقدراتـه التحليلية والإبداعية ونؤكد أن ذلك ليس هو المعني المقصود، فالدماغ والعقل أشد وأكبر تعقيدًا مما نعني، بل المقصود هو قدرة كل خلية حية في جسم الإنسان والحيوان في تخزين ومعالجة المعلومات بواسطة الأحماض الوراثية الـDNA، وثمـة العديد من الاستخدامات بالغة التعقيد التي يستخدم فيـهـا الجسم البشري قدراتـه الحاسوبية بشكل فعال، فمثلًا عندمـا يقوم جهاز المناعـة بالبحث ضمن مخزون خبراته من مضادات الأجسام التي كونها يومـًا في مقاومـة مرض مـا، فإنه يفعل ذلك من خلال عمليات حاسوبية بالغة التعقيد تمكنه في نهاية المطاف من اختيار المضاد المناسب للمرض الذي يحاول غزو الجسم. كل آلة أو شيء يتميز بالجمع بين القدرة على حفظ ومعالجـة المعلومات فهو حاسب (آلي كان أو بيولوجي) بغض النظر عن طريقة التخزين أو المعالجـة، وتأتي المفاضلة بين الحاسبات في سعة التخزين وفي سرعـة معالجـة البيانات للوصول إلى الحلول والأجوبة الصحيحة، ولا تخرج الطفرة الحديثة التي شهدها العالم خلال العقود الثلاث السالفة في مجال الحاسب الآلي لاسيما الحاسبات الشخصية وشبكات الحاسبات عن الاعتماد على زيادة السعة الاستيعابية للذاكرة وسرعة المعالجة للبيانات، ولكن للأسف فقد تبين أن تطوير الحاسبات بالطرق التقنية الحالية يوشك أن يصل إلى طريق مسدود، إذ سيبلغ الأمر منتهاه بتصغير دوائـر الحاسبات الإلكترونية إلى حجم تقنيات النانو، وعليه أصبح لزامـًا البحث عن تقنيات جديدة، علمًا بأن تطوير الحاسبات بتقنيات النانو واعدة جدًا. أودع الباري تعالى في الخليـة الحية حاسوبًا تفوق قدرتـه أعظم الحاسبات الإلكترونية المصنوعـة من الدوائر الإلكترونية ورقائق السيلكون، هو الحاسوب البيولوجي أو الحيوي. تكمن قدرات مادة الـDNA الكيمائيـة كحاسب آلي في الحقائق الثلاث التالية: القدرة التي لا تضاهي في سعة حفظ المعلومات، وقدرتـهـا على معالجة المعلومات من خلال عمليات كيميائيـة، وصغر حجم الطاقة المهدرة أثناء عمليات الحفظ والمعالجة، فعلى سبيل المثال فإن غرام واحد فقط من الـDNA لـه من السعة التخزينية المعلوماتيـة مـا يضـاهي مجموع ما يمكن خزنه إلكترونيا في ترليون (أي مليون مليون مليون) أو (10)9 قرص سي دي روم من المتداولة بين الناس لحفظ المعلومات، كما أن طريـقـة معالجـة الحاسب البيولوجي للمعلومـات تتفوق على الحاسبات الإلكترونية من حيث طريقة معالجـة البيانـات بشكل متوازي (أي تستطيع إجراء مليارات الحلول دفعة واحدة) بينـمـا تقوم أعظم معالجات البيانات الإلكترونية بحل المسائل بشكل متسلسل، أي خطوة خطوة مما يعني استغراق زمن أطول بكثير في حل المسائل المعقدة. من الفروق الجوهـريـة طريقة التعرف على البيانات ففي الحين الذي تعتمد الحاسبات الإلكترونية على نظام الأرقام الثنائي (Binary Number) حيث يتم التعامل مع تخزين المعلومـات ومعالجتـهـا على شكل تركيبات من رقمي الصفر والواحد، أما مادة الـDNA فتتعامل مع المعلومـات على شكل تراكيب وتوافيق مكونـة من أربـع أحرف أو لبنات كيميائية أساسية مثبتـة في أنصاف جدائل حلـزونية الشكل لا تلتصق مع بعضهـا البعض لإعطـاء الشكل النهائي للجديلة الفراغية (الجواب الصحيح) إلا في حالة توافق شقيهـا، وبلفظ آخـر لا يتم هذا التوافق إلا إذا كانت ترتيبات الشقين المتقابلين متكاملـة عندهـا فقط تلتصق ببعضها البعض، ويمكن تصميم الجدائل بالطول اللازم لحمل أي قدر من المعلومـات يراد معالجتهـا، وتعمل كل جديلة من هذه الجدائل كمعالج بيانات منفرد ضمن معالج بيانات عملاق أي أنه يصبح لدينا القدرة على الاستفادة من مليارات المعالجات للبيانات في حجم صغير جدًا، بينمـا لا يحوي الحاسب الإلكتروني عادة أكثر من معالج بيانات واحد فقط. يقول المتحمسون للحاسب البيولوجي: إنـه بعد تطور تقنية الحاسبات البيولوجية فإن بإمكان حاسب بيولوجي في حجم بطاقة الائتمـان أن يصمم منظومـة مراقبة جويـة كونيـة بالـغـة الكفـاءة، مما يظهر حقيقـة أن الجزيئات الحيويـة أكثر ذكـاء من أي توليفـة من الصمامات الإلكترونية. يؤكد المختصون على أن الحاسبات البيولوجية لن تحل يومـًا محل الحاسبات الإلكترونية، إلا أنها سوف تضطلـع بالمهام الخاصـة التي تعجز عنـهـا الحاسبات الإلكترونية، حيث تبرز الحاجة لحاسبات متناهية الصغر، ولا يزال هذا الحقل جديدًا نسبيًا وفي انتظار العديد من المنجزات، ويرى فيه العديد من العلماء المسلمين المهتمين بالإعجاز العلمي للقرآن والسنة فتحًا إلهيًا من فيوضات قولـه تعالى: (سنريهم آياتنـا في الآفـاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنـه الحق من عندنـا). للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (42) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain