×
محافظة المنطقة الشرقية

سمو ولى العهد والسيسي يبحثان أفاق التعاون الثنائية

صورة الخبر

النسخة: الورقية - دولي الأربعاء 4/6/2014: لستُ حرّاً الموسيقى من بعيد، يعزفونها هناك على شرفة البيت الكبير وتصل إلينا خافتة لتصمت في قاع النهر. نحن الساكنين على الضفة، هل نسمع الموسيقى حقاً، في صخب بيوتنا المتهالكة، حيث الأم لا تسمع صوت ابنها الوحيد؟ على ضفة النهر الذي يجف في الصيف، يثقب الصوت العالي آذاننا إذ يتكرر ولا يفاجئ ولا نستطيع تفادي سطوته. الموسيقى بعيدة والحب أبعد. يعزفونها هناك، وحين لا أسمعها أتمنى الصمم - لستُ حرّاً.   > الخميس 5/6/2014: يوم الانكشاف لم يكن 5 حزيران (يونيو) 1967 هزيمة ولا نكسة كما أحب أن يخففها جمال عبدالناصر، كان انكشاف الدولة العربية الحديثة التي عجز تجار المدن ومثقفوها عن حمايتها فاختطفها عسكر هزمتهم إسرائيل (لاحظ أن شخصية عبدالناصر السياسية والمحيطين به من الضباط ولدت في مرارة حصار الفالوجة أثناء حرب فلسطين، فانصرف انتقامه إلى الداخل المصري بدل مجابهة إسرائيل الوليدة). لم تنفع إعادة تأهيل القوات المسلحة وترميم العقل العربي المصدوم بالهزيمة، ولم تنفع أيضاً البدائل المفترضة لملء الفراغ، ممثلة بالتنظيمات الفلسطينية وبحزبية إسلامية نهضت من سباتها مثل «الإخوان المسلمين» (لاحظ أن هؤلاء احتفلوا بهزيمة حزيران واعتبروها عقاباً إلهياً بأيدي الإسرائيليين لجمال عبدالناصر الذي اقصاهم وأعدم منهم متآمرين على نظام الحكم). لم تنفع البدائل لأن التنظيمات الفلسطينية تعذر عليها الاستقلال السياسي فصار معظمها أداة في الصراعات العربية- العربية، وتورط في هذا الأمر مثقفون فلسطينيون فألهاهم عما هو خير لفلسطين وللعرب (لاحظ أن الشعب الفلسطيني يضم أبرز المثقفين في العالم العربي كمّاً ونوعاً، لأسباب معقدة، في مقدمها النكبة). لم تنفع المسكنات ولا «التسليات» السياسية اليومية في نسيان الهزيمة، لأنها الحقيقة الباقية. ولا يزال يوم 5 حزيران محطة إحباط لا حافز انطلاق، وأسباب الهزيمة ماثلة في تراجع الحريات والنقد والانفتاح. أليس لافتاً أن مصر حين انتفضت على حكم 23 يوليو أتت بمحمد مرسي رئيساً يتقدم إلى شعبه وإلى العالم كأنه خارج من كهف؟ 5 حزيران، مرارة في الروح باقية، ولن نستطيع مراجعة ملفات الأطباء البدنيين والنفسيين، لنحصي أسماء الذين ترددوا على العيادات في ذلك التاريخ ولم يشفوا من العجز الجنسي. هذا الجانب من هزيمتنا لم يسجله المنتصر الإسرائيلي عام 1967.   > الجمعة 6/6/2014: صباح زوين موتها فاجأنا. الشاعرة التي تألف ذاتها وتحصنها تمعن في ذلك عند المرض. يكفي أن تشهد على ضعفها الستائر والنوافذ المغلقة والباب الذي يفتح قليلاً. إنه المرض ولا يد لها فيه ولا ذنب، ولكن، لن نعرف خيالاتها في الهزيع الأخير من ليل العمر. هل من مجال لشطح الشعر؟ هل من قوة لنافورة الكلمات؟ هل من مساحة لألوان العالم الذي عرفته في لبنان وأوروبا وأميركا؟ إذا لم تدوّن صباح زوين أيامها الأخيرة فلن نحل محلها في هذه المهمة. وهل مقدّر للشاعر(ة) أن يكتب حالاتهـ(ـا)، حتى تلك الأكثر خصوصية، الأكثر خطورة، على الحافة بين المعلوم والمجهول؟ شعر صباح زوين ابن الأسئلة وليس تدويناً يتابع حالة وتفاصيلها. وهو الأبعد من قضايا الكينونة والأبدية. أسئلته تعنى بوجودنا الآن وبتصفح كتاب الوجود الذي يبدو للوهلة الأولى لوحاً لا كتاباً كثير الصفحات. وهي شاعرة لغة، وبمعنى أدق احتفالات اللغة وطيرانها في فضاءات بلا حدود، بل إن لغتها تشرقط أحياناً، هي المعدن اللين تهبّ منه ألسنة النار مضيئة وحارقة. وليس مثل صباح زوين في شعراء قصيدة النثر استطراداً يكفّ عن كونه إرسالاً لخيط الصور والمعاني، فيعمد إلى توليد عوالم تتناسل ولا تتشابه. عرفتها قليلاً في بيروت، وكثيراً في مونتريال، حيث كانت هناك على موقف الباص في «لاشومان كوت فارتو» تنتظر في الدرجة 35 تحت الصفر متأملة رماد الأفق الذي يمزج غماماً بغبار. في المدينة الفرنكوفونية الباردة التقت أديبات وأدباء، وترجمت لبعضهم أجواء انكساره الإنساني، كما التقت مهاجرين يفتخرون بأدب عربي يقرأونه ويكتبونه، فلبت دعوة معن زيادة محيية أمسية شعرية في مكتبة الشرق الأوسط في شارع ديكاري. كانت أواخر ثمانينات القرن الماضي ذروة الهجرة اللبنانية إلى كندا، لكن صباح زوين لم تمكث هناك طويلاً، ولم تصبر على ثلج البلاد وعلى بساطة تستفز شاعرة ترى العالم أكثر تعقيداً وجمالاً من أن نراه بعيون النفعية البسيطة. ولكن، نخطئ عندما ننسب صباح زوين إلى بساطة وطنية لبنانية أو مشرقية. قد تكون أزمة هذه الشاعرة إطلاق شعرها أمام شعب يصنع الحروب ويشكو منها في آن معاً، لذلك لجأت إلى عمق بلادها الغني، تراه في تاريخ وكلمات وأشخاص لم يجرفهم التيار. وطبيعي أنها لم تألف العمل في مؤسسات ثقافية تتطلب ما هو أبعد من المهنية والموهبة. كانت تفضل النشر في منأى من «مصنع» النشر والصانعين. هكذا قصائدها ومقالاتها وترجماتها العربية، إلى جانب كتبها الأخرى الصادرة في غير لغة أوروبية، توزعت في دور نشر متعددة ربما يصعب التواصل معها بسهولة. الشاعرة نصها، وأرشح «كلما أنت، وكلما انحنيت على أحرفك» ديوانها الصادر عن دار نلسن في لبنان والسويد، ليكون في مقدم مجموعات قصيدة النثر العربية. ومنه: «وترين، أنتِ ترين كيف تلاشت اللغة، كيف، ثم نظرتِ إليها، تلك لغة الأم التي، وهي التي منها أتيتِ ومنها متِّ وعنها تبحثين، أو بحثتِ ولا تزالين، أيتها الأم التي منها أنتِ، من القلق والريبة والسؤال، حين ولدتِ في أحضان الزرقة وأحضان الذهب والنور ولدتِ، أو هي الشمس كالكلمة سطعت شلالات ضوء في عينيكِ المتلألئتين، تلك عين رأيتِ فيها فتات أوقاتٍ ومدن، وفتات أجساد مترددة لا تزالين ترين، كيف تلك الأجساد التي تكسّرت على الكلس الأبيض، عندما الجسدان تفتتا هشيمَين وطويلَين تناثرا، في أرجاء البيت كنتما تتناثران كبقايا لغة مستحيلة فاستحالت أيديكما، عندما أيضاً فراغ السؤال، لأن الهاوية المطلقة زرقاء كفراغ المعنى، والرجل، هو الرجل عندما يستحيل علامات استفهام، هو الذي عندما يرنو إليك وعندما يدُه على اسمك ولا تقولان، بل تعجزان، إنكما عن التقارب تعجزان، وأنتما تخافان، ثم أصابعكما البيضاء ترسم إشارات في ساعات المساء، أو عند عتبة الصبح تتلامس، أنتِ التي تلألأتِ عندما القبعة، أو قبّعته كلما الظهيرة وأيضاً كلما الشمس على السطوح العتيقة، وكيف تلك الأوقات، كيف، وكنتما تتلوّنان بزرقة النهر الطويل، أيضاً عندما كنتما ترسمان نافذتكما الصغيرة كل صباح، والجسدان، العالقان هما الجسدان بين اللعثمة الكثيرة والقول المريب، أو كلما قلتما تألّم جسدُكِ وجسده تألم، أو تقوقعا هما في ركنٍ من أركان الغرفة، ركن هو كلما ساعات الغبش أو كلما ساعات الأصيل هو، واليدان في محاولة منهما، ولم، لم تتمكنا. (...) رغم كل هذا الغروب لم تنكفئي، لم، وظلت ساقاك تركضان أو لا تنكفئين أنت رغم انكساراتك، ولكنك أيضاً في التواري ترغبين وتتوارين ولا تموتين، أنت الراكضة بين الهضاب والتلال، والمهرولة أبداً في أزقة الوقت، كأنك أنتِ في قلب الحياة وفي قلب الشمس أنت دائماً، أو المشعة في وسط النور ورأيتُ يديك تتلألآن بهجة عندما الافتتان به كلما هو، أي، عندما هو وينظر إليكِ وكلما هو يغرق ومعاً تغرقان في زرقة الغياب، عندما، كأن اليد البهية في وهج الصمت، في صخبه وتتواريان في عمق النافذة، أو لأنكما من الشغف تموتان وتذكرين طاولة زاهية في أشعة الظهيرة، الطاولة ووجهاكما وكراسٍ كثيرة، كان هذا على رصيف صيف وهذه كانت مدينة قديمة وصغيرة المدينة وفي زواياها ظلالكما بقيت والذكريات، أنتما عندما في المساء أيضاً وفي أريج الزهر وتراب المكان، أو في فتحة النافذة بالكاد رأيتكما، زرقاء كانت الفتحة والنافذة أيضاً في زرقتها، كيف تلك الأنغام التي من الحديقة تبلغكما، كل صباح ومع الصباح شغف وجهكِ، أو العري الأبيض عند ساعات النور الأولى، عند بهجة الألوان، لأن الكلام القليل ومن قليله كم الكتابة كنت تحاولين، أو كل الصور حين تتحول ألفاظاً وأسطراً وإشارات، أو، أنت التي انحنيت فوق كل هذه المرايا وهذه الانعكاسات لوجوه وأسماء لأنكِ على صورٍ مكدسة كنت تنحنين».