حلول جذرية لسخونة الكوكب، أرائك فضائيّة، ستائر مداريّة، أراجيح سماويّة: تلك نماذج من مشاريع عملاقة تندرج ضمن علم صاعد يحمل اسم «الهندسة الشاملة للبيئة». وتعرض تفاصيل عن تلك المشاريع التي ما زال معظمها قيد الدرس، في وسائل الإعلام العام في فرنسا، وعبر أقنية فضائيّة متخصّصة في العلوم على غرار «ناشيونال جيوغرافيك». اقترحت تلك المشاريع حفنة من العلماء أقلقهم اضطراب البيئة، وأيّدهم وزراء في معظم دول الاتحاد الأوروبي، إذ يعتقد علماء في هندسة البيئة بإمكان مهاجمة مصادر الاضطراب البيئي بطريقة استباقية ومستقبلية، بدلاً من الاكتفاء بمعالجة أعراضه، وهو ما يجري حتى الآن. تشاؤم العقل وتفاؤل الارادة في المقابل، يوصف هؤلاء العلماء أحياناً بأنهم «براغماتيون لكنهم متشائمون»، إذ يرون أن الوقت ملائم تماماً لإطلاق دراسات مبتكرة توفر حلولاً خارجة عن المألوف، تمكن البشرية من إعادة «صوغ» مناخ كوكب الأرض، وتخليصه من الاضطراب. لا يعبّر مصطلح «خارج عن المألوف» عما يقصده ذلك النفر من العلماء، إذ أنهم يفكّرون فعليّاً في إحداث تدخّلات فلكيّة تمكن سكان الأرض من التدخّل في مسار أشعة الشمس، واستخدام «حقن» كيماوية تؤدي إلى تخزين الضوء في الأرض، وتركيب ماكينات عملاقة بهدف تسريع دورة المياه في المحيطات وغيرها. ربما تبدو تلك المشاريع ضرباً من الخيال العلمي، بل ربما رأى فيها بعض الناس جهوداً غير مجدية. في المقابل، يشير أنصارها إلى أنها تمثّل خشبة خلاص لإصلاح مناخ الأرض. ويصف بعض العلماء مشاريع الهندسة البيئية الشاملة بأنها غير واقعية، فيما يصنفها آخرون كمشاريع خطرة، متّهمين أنصارها بأنهم مشعوذين مبتدئون. ويرّد أنصار الهندسة الشاملة للبيئة بأن هناك أدلة متزايدة على تسارع اضطرابات المناخ في الآونة الأخيرة، ما يبرر طموحهم العلمي والتكنولوجي. واستطراداً، يثير هؤلاء سؤالاً حسّاساً: ماذا يكون مصير البشرية، إذا واجهت ذات يوم اضطراباً مناخيّاً لا يمكن التحكّم بآثاره؟ منذ فترة، تكشف الأقمار الاصطناعية أن جليد القطب الشمالي يتكسّر بنسبة تتراوح بين 5 و 10 في المئة سنويّاً في الأعوام الأخرة. كذلك نشرت «الوكالة الأميركية للطيران والفضاء» («ناسا») دراسات كثيرة توضح أن الحجم الأقصى للكتلة الجليدية في القطب الشمالي يتقلص بصورة مقلقة. وفي السياق عينه، عرضت مجلة «نايتشر» العلمية غير دراسة عن الآثار السلبية لغاز الميثان الذي يساهم في سخونة الأرض وتآكل طبقة الأوزون، موضحة أنه بات ينطلق بكثرة من البحيرات وأحواض المياه الجوفية في سيبيريا. ومهما تعدّدت الآراء المعارضة لمشاريع «الهندسة الشاملة للبيئة»، يجدر تذكّر أن جائزة نوبل للكيمياء في عام 1995، كانت من نصيب أحد أنصار هذه الهندسة، هو الهولندي بول كريتزِن. وفي عام 2005، اقترح كريتزِن حقن طبقة الـ»ستراتوسفير» في أعالي الغلاف الجوي بملايين الأطنان من مادة الكبريت، بغية الحدّ من كمية الضوء المتساقط على الأرض. وعلى غراره، ينهمك عالم الفلك الأميركي روجر آنجل، وهو أحد آباء علم البصريات، في مشروع لتبريد الأرض عبر تثبيت بلايين المرايا الصغيرة في مدار حول الكوكب الأزرق، بطريقة تضمن انحراف جزء من أشعة الشمس عنها. محركات عملاقة في سياق متّصل، يعمل الاختصاصي الأميركي بيتر فلينن، وهو من جامعة ألبرتا ـ كندا، على مشروع مضخة اصطناعية ضخمة من أجل تحريك دورة مياه المحيطات. الهدف؟ زيادة تكاثر كائنات بحرية اسمها «بلانكتون» وهي تأخذ ثاني أوكسيد الكربون وتحوّله أوكسجين، ما يساهم في خفض التلوّث وتحسين المناخ. في سياق تحفيز تكاثر الـ»بلانكتون»، اقترح بعض العلماء مراكمة كميّات من الحديد في المحيطات، لكن التجارب أثبتت أن الأمر يترك آثاراً سلبيّة جانبيّة على أجناس بحرية كثيرة. هل أن مشاريع تبريد الأرض آمال علميّة أم أنها مشاريع قابلة للتحقّق؟ كيف تؤثر في المناخ؟ ماذا لو ارتدت سلباً على الأرض: ألا يبدو ذلك الاحتمال مخيفاً؟ ألا تبدو مخيفة؟ تبقى الأجوبة طيّ المستقبل. الأرضعلوم وتكنولوجيا