×
محافظة المنطقة الشرقية

ورشة عمل لدعم التنافسية في قطاع النقل

صورة الخبر

الحديث هذا الأسبوع بعد العودة لمقار العمل وقاعات الدراسة غالباً ما يكون منصبّاً على أيام الإجازة، والسؤال المعتاد والمتداول في الأوساط الوظيفية والتعليمية والأكاديمية.. ترى أين قضيت إجازتك؟ أحد الزملاء الأكاديميين كان يحدثني بالأمس عن رحلته إلى جزر المالديف، والآخر عن سفره بعائلته إلى إسبانيا، والثالث يشتكي حاله، فظروف أبنائه الصحية ومواعيدهم المسبقة منعته من السفر هذا العام، والرابع... والخامس... ولكنهم جميعاً يجمعون على شيء واحد مهم جداً - في نظرهم - ألا وهو أن هذه الرحلات مع أهميتها الترفيهية، واكتشاف المكان وساكنه، إلا أن الأهم - كما يقولون - هو قربنا من أولادنا، والتعرف عليهم أكثر، وبناء جسور التواصل والصداقة معهم، وتربيتهم وتوجيههم القيمي والسلوكي خلال أيام الرحلة، وكأنها دورة تدريبية قصيرة في أخلاقيات التعامل وضوابط السلوك الحياتي.. وهم في المقابل - والكلام ما زال للزملاء - يأنسون بك ولي الأمر، ويعرفون شيئاً عن ملامح شخصيتك، وهذه - كما يقول أحدهم - وصفة خاصة لمن يعيش طوال العام مشغولاً عن أبنائه وليس لديه فسحة من الوقت ليمنحهم إياه، ومع أهمية هذه الوصفة لـ”الذكور والإناث” منهم إلا أنها للبنات أهم، فجنس الأنثى عموماً صبغته الأساس “عاطفية”، وتحتاج إلى رعاية والتفات دائم، وإذا لم تشبع عاطفة البنت من قبل والديها فربما بحثت عن الوفاء بها بطرق أخرى لا سمح الله. أذكر أنني التقيت في إحدى رحلاتي داخل المملكة رجلاً في منتصف الأربعينيات ومعه بناته الأربع.. حدثني وبإسهاب عن تجربته التي مضى عليها ثلاث سنوات، مشيراً إلى أنه في كل عام يسافر مع بناته فقط دون الأم والإخوان الذكور إلى المكان الذي يطلبنه داخل المملكة، وقد وجد - كما يقول هو - هذه التجربة ناجحة وذات أثر تربوي ونفسي رائع، ولها وقع خاص عند بناته، الأمر الذي انعكس على جميع جوانب حياتهن مما حقق له السعادة والارتياح.. وللأولاد عنده رحلة مماثلة كذلك. آخر التقيته في الطائرة أيضاً يقول عن نفسه: إنني انتقلت من منطقتي التي نشأت وترعرعت فيها للدراسة في جامعة الملك سعود، وما أن تخرجت مهندساً مدنياً حتى اخترت العمل في العاصمة الرياض، وترقيت في المناصب الإدارية وتوسعت في الأعمال الشخصية، حتى تعرضت لوعكة صحية، وقد شارفت الخمسين من عمري، فهزني هذا العارض كثيراً وجعلتني أعيد حساباتي مع نفسي وأهلي “زوجتي وأولادي”، وما أن خرجت من المستشفى سالماً معافى -بحمد الله- حتى قررت أن أعيد ترتيب أولوياتي بشكل جذري وأمنح بيتي جزءاً من وقتي، وبالفعل كان ذلك مني فشعرت بنعمة كبيرة ومنة عظيمة كنت غافلاً عنها ومشغولاً بما كنت أعتقد أنه أهم، ومن بين الأشياء التي ضمنتها جدولي السنوي رحلة لي شخصياً أخلوا بها مع نفسي، وثانية مع زوجتي، والثالثة مع جميع أفراد العائلة، ورابعة مع الأصدقاء الذين لهم منزلة خاصة عندي وتربطني بهم وشائج المحبة الحقيقية الصادقة الخالية من منافع مادية معروفة، وهذا أثر إيجاباً على صحتي وانعكس على نفسية أفراد أسرتي. ومن المواقف التي أذكر أن أحد المسؤولين أصحاب الوجاهة الاجتماعية جاءني وقد قررت الكلية التي يدرس فيها ولده طرده نهائياً منها لتدني معدله التراكمي وأخذه الإنذار الأخير، وكان يلوم نفسه على تفريطه وانشغاله عن أولاده وعدم منحهم جزءاً من وقته وسعيه للثراء المالي والحضور الاجتماعي على حساب راحة وسعادة زوجته وأولاده، ومنذ ذلك التاريخ قرر أن يعود من جديد إلى مملكته التي فرط فيها، وبالفعل التقيته وعرفت عنده التغير وأسرَّ لي بأنه الآن يشعر براحة الضمير. إن تحقيق التوازن الحقيقي لا الصوري بين الواجبات الملقاة على عاتق كل منا “التعبدية.. والوظيفية.. والعائلية”.. والواجبات الأخرى الاجتماعية والذاتية (الرياضية، والثقافية والصحية) مستلزم أساس من مستلزمات صحتنا النفسية وطمأنينتنا الحياتية, ولذلك كانت الإجازة جزءاً مهماً في برنامج الإنسان المشغول، وحقها أن توضع ضمن رزنامة كل منا السنوية، على أن تنال حقها من الاهتمام والتخطيط والتفكير. والإنسان لن يعيش العمر مرتين.. وكل عام دراسي وأنتم بخير. وتقبلوا جميعاً صادق الود. وإلى لقاء قادم والسلام.