×
محافظة المنطقة الشرقية

بيكربونات الصودا للتخلص من القشرة

صورة الخبر

من يطالع كتاب (القبيلة والقبائلية أو هويات ما بعد الحداثة) للدكتور عبد الله الغذامي سيقف بالضرورة أمام دلالة العنوان وما فيها من إشكالية واضحة لجهة البنية المفهومية. ففي هذا الكتاب ومن خلال فكرته العامة، يحاول الغذامي عبر تأويل مركب لدلالات الألفاظ، إسقاط نتائج وتمثلات لصيرورات مختلفة من تجارب المجتمعات الإنسانية ؛ ليدمجها في سياق مفهومي واحد، انطلاقا من عمومات لا تصلح للمقايسة. فمفهوم (الحسب والنسب) العربي الذي يسقطه الغذامي عبر دلالة عامة على مفهوم (الحلم الأمريكي) بجامع وحدة الأساطير التي تسقطها الشعوب على تاريخها وصورتها في الحياة، لا ينطوي على تحليل معرفي في القياس، بل يصور تمثلات غير متجانسة لتأكيد فكرته من ناحية، ولتأسيس قناعة بمعنى «هويات ما بعد الحداثة» من ناحية ثانية. يقول الغذامي في سياق حديثه عن نموذج حالة الشعب الأمريكي كنسب يقوم على هوية حسب: (الحلم الأمريكي): «كل نسب بين الأمم هو أمر شبيه بهذا الخليط الأمريكي، والفارق أننا نشاهد الخلطة الأمريكية وتميزها بحسب حداثة نشأتها، ونعجز عن تمييز الخلطات الأخرى للأمم الأخرى بما فيها نحن العرب بسبب قدامة وأسطورية الثقافات العريقة. وكما هو الخليط العرقي للأمريكيين، فإن لهم خليطاً ثقافياً هو من مبتكراتهم، ألا وهو ما يسمونه بالحلم الأمريكي، ومقولة الحلم الأمريكي مقولة ثقافية تؤسس لمفهوم الحسب وتربطه عضوياً بالنسب وكلاهما افتراضي شأنه شأن أي نسب قديم لشعب عريق» (كتاب القبيلة والقبائلية صفحة 20). ربما يصلح هذا المقتبس من الكتاب لتأمل إشكالات عنوانه، وبعض نماذج القياس الممهدة للفكرة العامة حيال مقولة النسب والحسب في اتصالها بموضوعة القبيلة والقبائلية. ذلك أن محاولة التسوية والدمج لظاهرة القبيلة والقبائلية في هويات ما بعد الحداثة، عبر تلك المقارنات هي تسوية مجانية تهدر العديد من الحيثيات الموضوعية للفوارق الجوهرية بين نموذجي القياس. وبالرغم أن الحداثة مشروع لا يزال قيد الاكتمال والصيرورة اللانهائية بحسب الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس إلا أن ما تطرحه مدرسة ما بعد الحداثة عبر مقولات فلاسفة الاختلاف من أمثال (فوكو) و(دريدا)، هو خطاب متصل بتجاوز الصيرورات التي أدت إلى انسداد مشروع الحداثة اجتماعياً، وسياسياً وأخلاقياً في تفاعله داخل المجتمعات الأوربية وسياقاتها في الأزمنة الحديثة وهي صيرورات لا علاقة لها بمجتمعات ما قبل الحداثة كمجتمعاتنا العربية وبالبنى الاجتماعية التي تتكون منها، كالقبيلة والطائفة. إن تمثلات الحلم الأمريكي، المتصلة بمرجعيات الحداثة: (الفردية، المعرفة، الحريات، المؤسسية، ومختلف تنظيمات الحياة الحديثة) بكونها مرجعيات عقلانية عابرة للمجتمعات تضعنا أمام تناقض أصلي ينهض ضد تلك التسوية المجانية التي يفترضها الغذامي بناء على علاقة شكلية ولفظية مجردة. صحيح أن العولمة لعبت دوراً كبيراً في عودة بعض مجتمعات العالم الثالث إلى هوياتها الصغيرة كردود فعل على تعميم نمط غربي استهلاكي، لكن ردود الأفعال التي دفعت تلك المجتمعات إلى هوياتها الصغيرة يمكن تفسيرها ضمن قوانين الشرط الإنساني التي تجعل البشر يتحصنون داخل هوياتهم الصغيرة في مواجهة أنماط جديدة تحاول دمج حياتهم بآليات ووسائل تفوق طاقة التحدي لديهم. والحال أن تلك الارتدادات نحو الأصولية والقبائلية لا يمكن إدراجها في هويات ما بعد الحداثة، لأن طبيتعها النسقية المحدودة والجزئية تمنع من تأويلها ضمن أي أفق موضوعي للأنماط الجديدة في حياة البشر أي لمجتمعات العالم الحديث، كالتي يمكن أن نجدها في مرجعيات نموذج (الحلم الأمريكي) مثلاً. لهذا مثلا، يساوي الغذامي في معنى (المحافظة) بين المجتمع السعودي والمجتمع البريطاني متجاوزا العديد من الحيثيات الموضوعية والمنهجية لمعنى (المحافظة) بين المجتمعين، كما ذكر في إحدى مقابلاته التلفزيونية. وهنا تكمن أدلجة الخطاب المعرفي للدكتور الغذامي؛ فما تضخه الأصوليات، وتمثلات البنى القبلية عبر تمظهراتها في مجتمعاتنا العربية، مثلاً، لا يدل على عودتها بعد قطيعة، فالقطيعة المعرفية لم تحدث أصلاً مع تلك البنى لأنها كانت كامنة، ثم انفجرت كنتيجة لإعاقة مشروع الحداثة ذاته، فضلاً عن الوصول إلى تمثلات ما بعد الحداثة!؟