×
محافظة المدينة المنورة

أحد يسجل آخر خسارة لسلة القادسية في الدوري

صورة الخبر

في «عكاظ» العدد 17700 كتبت الدكتورة عزيزة المانع مقالا بعنوان «رأيت فيما يرى النائم»، مؤكدة أن الرؤيا من الوسائل الشائعة لخداع الناس وكسب ثقتهم، وأوردت أمثلة لما يفعله البعض في تمجيد نفسه عن طريق رؤية الأنبياء والصالحين أو لتحقيق غاية في أنفسهم. على إحدى قنوات اليوتيوب رأيت أحدهم وهو يحكي رؤيته لرسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه وأنه استأذنه في أن يقص على الناس رؤياه هذه وينشرها. وهنا تتكالب عدة اعتبارات وتناقضات. أولا، هل رؤيا الأنبياء والصالحين في المنام لها مدلول تعبدي؟ بمعنى هل الشخص الذي يرى الأنبياء في منامه إنما هو من أهل التقوى والمقربين إلى الله؟ لا يقول بهذا أحد من أهل العلم . فهذا المعتقد إنما هو على النقيض تماما من واقع عمومات الشريعة ومدلولاتها وأحكامها. فالعبرة في عاقبة المرء ليست الرؤيا في المنام بل هي فيما كسبت يداه من العمل وفق أوامر الله سبحانه وتعالى ونواهيه كما جاء في قوله تعالى (تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون). وغيرها من الآيات الدالة على أن المرء ليس له إلا الإخلاص في العبادة واتباع أوامره وما نهى عنه وفق ما شرعه وبينه الرسول الكريم بأقواله وأفعاله وتوجيهاته. كما قال تعالى (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) وليس لما يراه المرء في منامه أي أثر في هذا الإخلاص، فهل إذا رأى في منامه أهل النار والكافرين هل تكون هذه الرؤيا دليلا على سوء حال هذا المرء وسوء عاقبته أو تكون سببا في عصيان الله؟ لا يقول بهذا أحد من عامة الناس والجهال فيهم ناهيك من العقلاء وأهل العلم منهم. كما أن الرؤيا في المنام أيا كانت ليست أمرا تكلفيا. بمعنى أنه ليس في مقدور المرء أن يقرر ماذا يريد أن يرى في منامه. فليس من المتصور أن يأوي زيد من الناس إلى فراشه ويقول إني أريد أن أرى في منامي كذا وكذا..!!، إذن فهذه الرؤيا أيا كانت تكون خارجة أصلا عن إرادة المرء وقدرته وبهذا تخرج خروجا نهائيا عن أي مدلول تعبدي في طاعة الله وعصيانه. كما أن الرؤيا في المنام لا تكون مما يجب فعله وتركه إلا في حق الأنبياء، كما قال عليه الصلاة والسلام في أن رؤيا الأنبياء حق. ومن هذا الباب كانت رؤيا نبي الله إبراهيم في قوله تعالى (يابني إني أرى في المنام أني أذبحك) فكانت هذه مجرد رؤيا ومع ذلك عزم إبراهيم عليه السلام على ذبح ابنه طاعة لله فيما رآه في منامه. أما في حق العامة. فإن الرؤيا ليست أمرا تكليفيا مطلقا. ولو فرضنا أن من يرى الأنبياء إنما هو من أهل الورع والتقوى المقربين إلى الله وهو افتراض خاطئ فهل يتصور أن يكون هذا الذي رأى النبي عليه الصلاة والسلام في آخر الزمان يكون أفضل من الصحابة وقد عانوا الشدائد والمحن فلم يرد عن أحد منهم أنه رأى النبي في منامه كما حدث في رابعة من قبل جماعة الإخوان فقد ادعى بعضهم أنه رأى الرسول وبشره بالنصر وأنه دعا رئيسهم مرسي لإمامته في الصلاة، وقال بعضهم إنه رأى الملائكة وجبريل على تخوم رابعة، كما ادعى سيد قطب وهو في سجنه أنه رأى النبي في المنام وطلب منه أن يقرأ سورة يوسف الآيات 35 – 41 فهي تحكي حالته وتصف وضع النظام المصري آنذاك. الخلاصة: إن دعوى رؤية الأنبياء ليس حولها إجماع، فهناك أحاديث تنسب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام منها (من رآني في المنام فقد رآني) وقوله عليه الصلاة والسلام (من رآني في المنام فقد رآني حقا). ذكر ابن حجر في فتح الباري (410/14) : إن في هذا الحديث إشكالات عديدة. منها أن معاني الاضطراب تكتنفه لورود الحديث على خمسة أوجه من خمس جهات مختلفة في السند والمتن وهو تعريف الحديث المضطرب في المصطلح. ومنها أن رؤية الرسول عليه الصلاة والسلام في المنام وفي نصوص أخرى رؤيته حقيقة أي أن هذا الذي رأى الرسول الآن قد يكون صحابيا بالمعنى الظاهر لتعريف الصحابي وهو من رأى الرسول عليه الصلاة والسلام وهو مؤمن به، وهذا ليس بحقيقي. ولقد اشتد إنكار الإمام القرطبي على من قال إن من رأى الرسول في المنام فقد رآه حقيقة. من جهة أخرى فإننا لو سلمنا جدلا بوقوع هذه الرؤيا للرسول عليه الصلاة والسلام فإنه في التحليل القياسي والإحصائي لمختبرات سلوكيات الناس في منامهم وتصنيف هذه الأحلام فإن رؤيا المرء لشخص ما في المنام فيه دلالة على التعلق الشديد ومحط الآمال والرجاء في هذا الشخص. وفي هذا الحال تكمن ملامح انحراف في العقيدة. فالأصل أن يكون هذا التعلق والرجاء بالخالق عز وجل دون غيره. ولقد أكدت الدراسات النفسية أن شدة اهتمام المرء بأمر من الأمور غالبا ما يصاحبه رؤيا في المنام بالشيء الذي يشغل باله، فلا تصدقوهم، ولعل في هذا ما يعضد مقال الزميلة الدكتورة المانع.