يواجه عدد من كبار مؤلفي الدراما المصرية ومخرجيها مأزقاً يتمثل في انصراف جهات الإنتاج الحكومية أو الخاصة عن الاستعانة بهم لأسباب متفاوتة، بعدما كان مجرد وجود أسمائهم على أحد المسلسلات التلفزيونية يمثل أحد أهم عوامل الجذب سواء للجمهور أو لكبار النجوم أم للمحطات الفضائية. ويشهد شهر رمضان المقبل للمرة الأولى غياب العديد من هؤلاء، ومنهم وحيد حامد ومحفوظ عبد الرحمن ومحمد جلال عبد القوي ويسري الجندي وكرم النجار ومحمد السيد عيد ومجدي صابر وإنعام محمد علي ومجدي أبو عميرة ورباب حسين وسواهم. «الحياة» استطلعت آراء عدد من المؤلفين والمخرجين في أسباب عدم الاستعانة بهم. وتقول المخرجة إنعام محمد علي الغائبة عن الدراما منذ أن قدمت «رجل لهذا الزمان» عن حياة الدكتور مصطفى مشرفة، إن الأسلوب التجاري أصبح السائد، وأصبح الإعلان هو الذي يشكل الدراما». وتضيف: «صعد النجم على رأس الهرم الإنتاجي الذي تم قلبه، وأصبح النص يتبع ولا يقود، الى درجة أن النصوص تصنع حالياً علـى مقاس النجوم. وطالما نتعامل بأسلوب السوق المسيطر حالياً، ستستمر سيطرة الإعلان وسطوته». وتؤكد أن استعانة شركات الإنتاج بالمؤلفين والمخرجين الجدد تعد بمثابة جرس انذار للكبار، وتضيف: «أجورنا كبيرة، وهم يلجأوون إلى أصحاب الأجور الأقل، وعلينا أن نبذل جهداً مضاعفاً ونواكب التطور حتى لا نختفي من الساحة، وما يطمئننا أن لنا رصيداً وتاريخاً مشرفاً، ونحتل جزءاً من تشكيل وجدان المشاهد وعقله». المخرج صفوت القشيري الغائب عن الدراما منذ أكثر من خمسة أعوام بعدما قدم العديد من المسلسلات الناجحة من بينها «فارس الرومانسية» عن حياة يوسف السباعي و«الخريف لن يأتي أبداً» و«رجل طموح» و«رابعة تعود» و«الخروج من المأزق»، يقول إن من له تاريخ من كبار المؤلفين والمخرجين لا يستطيع أن يعرض نفسه على المنتجين، خصوصاً الجدد منهم الذين قد يعتبرونهم «دقة قديمة» ولا يستطيعون التعامل مع التكنولوجيا الحديثة أو المواضيع المواكبة لهذه الأيام، ولا يدركون أن تراكم الخبرات وتفاعلها مع المستجدات إنما يؤدي إلى إفراز منتج متميز». ويضيف: «بحكم التطور الطبيعي، دخل سوق العمل جيل جديد من المبدعين في مجال الدراما أنتجوا أعمالاً متميزة على المستوى الحرفي لكنها كثيراً ما تفتقد الرؤية، ولا يهتم كثيرون بأن الدراما التلفزيونية هي أولاً رسالة إعلامية، الغرض منها تكريس الوعي والقيم والارتقاء باللفظ، لا الانسياق وراء الرغبات السلبية لدى الجمهور». ويرى المؤلف محمد عزيز ان نجاح الدراما اعتمد في السابق على معادلة بسيطة مكونة من ثلاثة عناصر هي نص جيد ومخرج كبير ونجم ونجمة، فـ «النص الجيد كان على رأس معادلة النجاح، وحين انقلب الرأس ليحتل مكانه النجم، اختفى النص واختفى معه كبار الكتاب، بالتالي اختفت المسلسلات التي كانت تحمل قيماً فكرية وفنية، وفقدت الدراما دورها الرائد الذي ظل يتربع سنوات في قلوب المشاهدين وعقولهم من المحيط إلى الخليج. وهذا ليس معناه فشلاً تاماً للدراما المصرية، إذ قدمت في السنوات الماضية مجموعة أعمال ناجحة لكتاب ومخرجين جدد، حققوا من خلالها نجاحاً ملحوظاً، وهناك أعمال لنجوم كبار حققت نجاحاً مبهراً، لكنه نجاح اختفت منه القيمة الفكرية والفنية، والأمثلة كثيرة لمسلسلات تابعها وارتبط بها المشاهد، وكانت للتسلية فقط من دون إثراء للعقل والوجدان». ويؤكد المؤلف نادر خليفة رفض غالبية كبار الكتاب تحقيق رغبات بعض النجوم، والتأليف وفق الطلب، كمـــا يرفض الكبار أن يصبحوا خيال ظل للنجم ورغباته وترشيحاته وما يفرضه من فنيين وفنانين على فريق العـــمل... ويقول: «القائمون على الجهات الإنتاجية لم يعـــد يشغلهم التميز والجودة لعدم خبرتهم، وقصور نظـــرتهم فيختارون كتاباً نصف موهوبين لضآلة أجــورهم وسهولة السيطرة عليهم وأيضاً مخرجين درجة ثانية وثالثة، والمنتجون أفقدوا مصر، بحسن نية أم بسوء نية، دورها الريادي الطبيعي في الإنتاج التلفزيوني لينافسها في السوق دراما أخرى، آخرها التركية المدبلجة لملء الفراغ الذي تركه غياب الإنتاج المتميز لكبار الكتاب والمخرجين والنجوم». أما المخرج يوسف أبو سيف فيرى ان «كبار المؤلفين والمخرجين يعملون بأقل من أجورهم الحقيقية». ويضيف: «الأجيال الجديدة تنقل كل المسلسلات من أعمال أميركية ليست موجودة لدينا، وهو ما يجعلك تجلس منفصلاً أمامها. وما لم أفهمه هو ظاهرة جديدة خلال السنوات الماضية، وأعني بها ورش العمل التي تميز غالبية مسلسلات الشباب، ما يؤكد أنها منقولة من أعمال أخرى وليست من بنات أفكارهم». تلفزيون