كما يقال إن لكل زمن رجاله فكذلك لكل زمن حالاته التي لا يمكن لها أن تتطابق مع حالة زمنية سابقة، وفي عالمنا العربي نستهلك المعارف والشعارات بعد انقضائها، أي أننا نحل حالة تاريخية في زمننا الراهن يحدث هذا في مستويات عدة من شأننا الحياتي. وهذا الاستهلاك المعرفي والذي يقابله ضمور حاد في إنتاج المعرفة يجعل عالمنا عالما ماضويا، فآليات الحياة تغيرت كثيرا بينما مازلنا في زمن الثورات العربية، ولو سألت عربيا: لماذا لا تفكر الشعوب الغربية في إحداث ثورات؟ وهو السؤال الكاشف عن تراجعنا واستهلاكنا المعرفي، ففي حين صنعت الدول المتحضرة آليات استقرار السلطة وانتقالها ومعارضتها والالتفات إلى صناعة الرخاء لمواطنيها من خلال العمل والإنتاج والاستثمار وفتح الأسواق لمنتجاتها التقنية والصناعة والخدمية واستغلال طاقاتها الطبيعية والبشرية في دفع التنمية في سيمفونية متناغمة بينما نحن مازلنا نفكر في كيفية إسقاط هذا النظام أو ذاك النظام بثورات تعيد البلد إلى الخلف وتصبح المسافة بين أقل الدول تطورا وبينك تقاس بعشرات السنوات، فعالمنا العربي لم يتعلم بعد كيف يصلح النظام القائم من غير تقويض مؤسساته والبدء من جديد. وبالرغم من وضوح هذه الحقيقة إلا أن الكثيرين مازالوا يتدافعون لتقويض أنظمتهم من غير التنبه لتغير الزمن القائم على منهجية البناء وإحداث الثورات المعرفية والتقنية، ولو عرفوا هذه الحقيقة لغدت الدعوات والتنادي بإحداث ثورات إنتاجية وهي الثورات التي يسبقها التأسيس المعرفي وبسبب غياب هذا التأسيس نلحظ أن التعليم في الدول العربية يعيش ترديا نوعيا وقيميا ينعكس على مخرجاته.. ولأن العرب مستهلكون فهم يستهلكون نتيجة المعرفة وليس كيف أنتجت ثمرة المعرفة، ففي الجانب الثوري نجد أن الثورة الفرنسية كانت نتاجا لمعرفة تولدت من خلال تنظيرات اقتصادية واجتماعية وسياسية ولم تتولد من مجاميع خرجت للشوارع والميادين بعقول لا تعرف ماذا تصنع في الغد.. ولأن الزمن تغير وهو زمن نبذ الثورات المدمرة للناس وللاقتصاد فعلينا أن ننادي بالثورات المعرفية التي تبني الإنسان وتحقق له الرفاهية بما ينتج وليس بما يحطم، وإن لم نشأ ذلك فعلينا الاسترخاء داخل السوق وانتظار من يجود علينا بصدقة.