في الأسبوع المنصرم زفّت ملحقية واشنطن وحدها أكثر من 12,500 خريج وخريجة من مبتعثي برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي لدعم عجلة التنمية الوطنية؛ في حين قد بدأ البرنامج بما لا يزيد على 5 آلاف مبتعث ومبتعثة. من بينهم 80 من الأطباء المبتعثين في برنامج المطابقة الطبية، وفي تخصصات لم تكن متاحة من قبل، في جراحة التجميل والعيون والجراحة العامة، فيما بلغ عدد الأطباء المسجلين في أفضل عشرين جامعة ومؤسسة أميركية ما لا يقل عن 23% من طلاب البرامج الطبية، وبلغ عدد المسجلين في برامج طب الأسنان 600 طبيب، من بينهم 124 طبيباً في الزمالة، و92 في الدكتوراة، و30 في مرحلة الماجستير، عدا أن عدد المبتعثين السعوديين في الجامعات الثماني الأولى بقائمة أفضل الجامعات 163 مبتعثاً، فيما بلغ عدد المبتعثات فيها نحو 76 مبتعثة بنسبة 64.62%. التنمية عملية متحركة؛ عجلتها تدفع بالاستراتيجيات والمال والعمل، تطرح عادةً خطابات تربط بين مشاريع «التنمية» من جهة، وبين «التغريب» من جهةٍ أخرى، فتصور التنمية تغريباً، ما أن تأتي مشاريع تنمية عمل المرأة، أو المدن الاقتصادية أو أيّ افتتاح لجامعة للبنات أو الابتعاث إلا ويعتبرونها مخططاً تغريبياً جيء بها لإغراق الوطن والمجتمع بالتغريب، مع أن التنمية مفهوم مرتبط بالمجتمع والدولة، ومن رأى أن التنمية تغريب فهو ينطلق من هواجسه الخاصة ومن مرئياته الناقصة. في السعودية والإمارات نجح نموذج "التنمية" الذي جعل من الحديث عن الديمقراطية لَغواً غير ضروريّ، ذلك أن الديمقراطية "وسيلة" وليست غاية، فالتنمية أولى من الديمقراطية، بقي البعض يعتبر الديمقراطية غاية حتى وإن عُدمت التنمية، وحين نشاهد بعض ما آلت إليه الدول الثائرة من اضطرابٍ في الاستقرار مقابل مزيدٍ من الحريات يمكن للإنسان أن يسأل، ما قيمة حرية الشكل من دون التنمية والاستقرار والأمن؟! الإصلاح ينبت من بذرة المجتمع وبنيته، حتى الدساتير والقوانين والثقافة الحقوقية هي حالة اجتماعية تأتي بعد غليان اجتماعي متحضر، حيث تُصحح الأفكار وتعدل الثقافة ليشعر حينها الناس بنموّهم وقابليتهم لتحقيق ما يطمحون إليه، والدستور لا يُؤلّف كما تُؤلّف الكتب بل هو نتاج جوهر المجتمع ورئة ثقافة ناسه؛ والإصلاح المتدرج المضمون خير من الإصلاح السريع المندفع الكارثي. من الرائع أن نحافظ على تغريد أحلامنا لكن من الخطأ أن تكون الأحلام مبنيّة على نماذج وهمية يراد لها أن تحكم الواقع، و"الإصلاح السياسي" مفهوم عائم، لدى كل شخص معارض، مفهوم إصلاحي يختلف عن الشخص الآخر، الإصلاح السياسي في الخليج أساسهُ "القضاء على الفساد"، وهو ما أمر به الملك بتأسيس هيئة لمكافحة الفساد، ودول الخليج ليست جمهورياتٍ تسير بالتظاهرات، والحكم في الخليج قائم على بيعة القبائل للأسرة وهو ولاء ثبت بقاؤه وثباته خلال الأيام الماضية. نعم هناك إرادة سياسية حقيقية في السعودية للإصلاح، وتلك الخطوات التصحيحية تجتاز بنا مسافةً لافتة نحو طريق التنمية الآمنة!