قال بيدرو باسوس كويلهو رئيس الوزراء البرتغالي أمس "إن بلاده تواجه طريقا صعبا بعدما عرقلت المحكمة العليا مجددا ميزانية الحكومة، بإعلان أن جهود خفض الإنفاق غير دستورية"، مضيفاً أنه "لن يكون سهلا العثور على مخرج من هذا، ولن تتخذ الحكومة قرارا سريعا. وأضاف كويلهو أن "إدارته ستحترم القرار، وستمنع البرتغال من الانزلاق إلى أزمة وإيجاد حل لا يحتاج إلى طلب المساعدة من الحلفاء في الاتحاد الأوروبي"، لكنه عبر في ذات الوقت عن" قلقه للغاية" من هذا القرار القضائي. وبحسب "الألمانية"، فقد جاء في قرار صادر عن المحكمة العليا البرتغالية بأن خفض الإعانات المخصصة للموظفين الحكوميين وقيمته نحو مليار يورو ينطوي على تمييز وبالتالي فهو غير قانوني". وسيصعب القرار من إضفاء التوازن على الميزانية في لشبونة، إحدى الدول الواقعة في قلب أزمة ديون في منطقة اليورو، وهذه ليست المرة الأولى التي تعلن فيها المحكمة الدستورية عدم قانونية مقترحات خفض الإنفاق. واجتازت الحكومة البرتغالية طلبا جديدا أول أمس بسحب الثقة منها تقدمت به المعارضة اليسارية داخل البرلمان البرتغالي، بعدما رفض نواب البرلمان بأغلبية 123 ضد 89 صوتا تغيير حكومة يمين الوسط التي تتولى مقاليد الأمور في لشبونة. ويعتبر هذا الاقتراع على سحب الثقة الذي تقدم به الشيوعيون في البرلمان البرتغالي هو السادس من نوعه منذ تولي كويلو منصبه قبل نحو ثلاثة أعوام. وبرر المعارضون تقديمهم هذا الطلب بأن سياسة التقشف التي تتبعها الحكومة الحالية تسهم في إفقار قطاعات أخرى من الشعب، وأضاف الطلب أن الحكومة صارت "معزولة اجتماعيا" ولم يعد ممكنا لها الاعتماد على أغلبية شعبية. ومني ائتلاف يمين الوسط الحاكم في البرتغال بهزيمة نكراء في الانتخابات الأوروبية التي جرت الأسبوع الماضي وفازت بها المعارضة الاشتراكية، التي بدت وكأنها تعبر عن الرفض الشعبي الشديد لسياسة الحكومة التقشفية. وهذه النتائج التي تأتي قبل عام تقريبا من موعد الانتخابات التشريعية المقررة في خريف 2015، تشكل نكسة فعلية لرئيس الوزراء الذي اضطر منذ تسلم الحكم قبل ثلاث سنوات إلى وضع خطط تقشف صارمة عاناها المواطنون كثيرا ونالت من شعبيته. وأصبحت البرتغال ثاني بلد في منطقة اليورو بعد إيرلندا يخرج عن الوصاية المالية لدائنيه ضمن خطة مساعدة مالية، وتستعد لعودتها إلى الأسواق في إطار انتعاش اقتصادي لم يشعر المواطنون بعد بآثاره. وتواصل الحكومة حاليا سياسة التقشف لنتجنب السقوط في أخطاء الماضي من جديد، ورغم مغادرة مفتشي الترويكا الذين يصفونهم "بالرجال الذين يرتدون اللباس الأسود" لشبونة إلا أن هذه المغادرة لا تعني انتهاء التقشف. وعقب وصولها إلى شفير الإفلاس، تلقت البرتغال في أيار (مايو) 2011 قرضا بقيمة 78 مليار يورو مقابل تطبيق الحكومة برنامج تقشف غير مسبوق ترافق مع تخفيضات في أجور الموظفين الرسميين والمعاشات التقاعدية، ومع زيادة في الضرائب بنسبة 30 في المائة. ووعدت الحكومة البرتغالية المستثمرين في وثيقة بعنوان "الطريق إلى النمو" بمواصلة برنامج الإصلاحات والتقشف، غير أن الإعلان المفاجئ عن انتكاسة جديدة لإجمالي الناتج الداخلي بنسبة 0.7 في المائة في الفصل الأول من السنة كان له وقع صدمة، خصوصا أن هذا التراجع طاول بشكل أساسي الصادرات التي تشكل المحرك الرئيسي للاقتصاد البرتغالي. ويري محللون أن هذا التراجع الناجم عن تباطؤ عابر للتصدير يفترض ألا يؤثر في الانتعاش التدريجي للاقتصاد، وأبقت الحكومة على تقديرها للنمو خلال السنة الجارية بـ 1.2 في المائة، وقال بيدرو لينو مدير مجموعة "ديف بروكر"، "إن هذا لن يمنع البرتغال من العودة إلى الأسواق مرفوعة الرأس طالما أنها تواصل الإصلاحات". وكان تدخل الترويكا فعالا، فخلال ثلاث سنوات انخفض العجز العام بمقدار النصف ليبلغ 4.9 في المائة، لكن الدين استمر في الارتفاع من 94 إلى 129 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي وما زال النمو محدودا. وأشار سيم كالاس نائب رئيس المفوضية الأوروبية إلى أن سياسات التقشف الميزاني والإصلاحات الهادفة إلى تعزيز النمو يجب أن تستمر الشهور والسنوات المقبلة. ونزل مئات الآلاف من البرتغاليين في خريف 2012 إلى الشوارع تعبيرا عن استيائهم مما وصفوه بظلم اجتماعي، ما أسقط الإجماع حول سياسة التقشف وأرسى قطيعة بين الشعب والحكومة، ثم تراجعت التعبئة تدريجيا وحل الإذعان محل الاحتجاجات.