النسخة: الورقية - دولي أضحت مسألة التشرد الداخلي اليوم من أكثر المسائل مأسوية، ومن أكبر التحديات الإنسانية للمنظمة الأممية، فبحسب تقارير الأمم المتحدة يوجد نحو 25 مليون نسمة، في مختلف أنحاء العالم، تمسهم ظاهرة التشرد التي تؤدي إلى تفريق الأسر وتمزيق الروابط الاجتماعية والثقافية والقضاء على علاقات التوظف المستقرة، وإضاعة الفرص التعليمية، وحرمان الناس من الضرورات الحيوية، مثل الغذاء والماء والدواء، وتعريض الأبرياء لأعمال العنف. وسواء تجمع المشردون داخلياً في مخيمات، أو فروا إلى الأرياف ابتعاداً عن مصادر الاضطهاد والعنف المحتملة، أو اندسوا في مجتمعات الفقراء والمعوزين مثلهم، يظلون أكثر السكان حاجة للحماية والمساعدة. وكثيراً ما يكون التشريد نتيجة معاناة بالغة جراء صراعات عنيفة وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وعوامل ذات صلة يغلب عليها طابع التمييز، أو قد يأتي التشرد نتيجة للظروف المناخية والكوارث الطبيعية، ومن ثم يكاد يفضي دائماً إلى خلق ظروف بالغة الشدة والإيلام للسكان المتضررين. تقسم مناطق التشرد جغرافياً تبعاً لأسبابها إلى نوعين: الأول، مناطق جغرافيا الصراعات والنزاعات المسلحة، وتكثر في أفريقيا وآسيا. والنوع الثاني المناطق التي تشهد جغرافيا الكوارث الطبيعية بشكل متكرر، كالفيضانات والعواصف والزلازل، وغالباً ما تكون في مناطق من آسيا وقسم من الأميركتين. من بين أكثر الدول في أعداد السكان تشرداً في العالم هي الدول الفقيرة أو تلك التي تكثر فيها الصراعات الإثنية والطائفية والنزاعات المسلحة، فقد أفادت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين بأن عدد الأشخاص المشردين بفعل النزاع في منطقة أبيي في السودان- على سبيل المثال- وصل إلى 100ألف، وأن العديد من السكان ما زالوا في حال حركة أو اختباء في الغابة وسط نشاط عسكري مكثف. اللاجئون في الوطن هم الأشخاص المشردون داخلياً والذين أجبروا أو اضطرّوا للهرب أو ترك أماكن سكناهم لأسباب عدة، لكنهم لم يعبروا الحدود الدولية المعروفة للدولة. وقد ازدادت ظاهرة المشردين داخلياً منذ نهاية الحرب الباردة، لأن الصراعات في السنوات الأخيرة أصبحت داخلية بشكل رئيسي. وتكثر التشابهات بين مأساة اللاجئين والمشردين الداخليين، انطلاقاً من مفهوم الاغتراب، حيث أن كلا الصنفين لم يعد قادراً على التمتع بالحماية التي توفرها بلاده. وهناك تفريق قانوني مهم بين اللاجئين الذين فروا من بلادهم، وأولئك الذين أصبحوا مشردين داخل حدود وطنهم. وفي الوقت الذي ينتفع اللاجئون من الحماية التي توفرها الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين عام 1951، والبروتوكول الملحق بها عام 1967، والنظام الأساسي لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن الأشخاص المشردين داخلياً لا يتمتعون بأي وضع قانوني خاص، لأنهم بقوا ضمن حدود بلادهم وبالتالي فهم خاضعون لقوانينها. إن حقيقة عدم وجود وضع قانوني خاص للمشردين داخلياً، لا يجب أن تعني أنهم لا يتمتعون بالحماية الممنوحة من القوانين المحلية، وقانون حقوق الإنسان الدولي والقانون الإنساني الدولي. لكن هذه القوانين عادةً ما تترك الأشخاص المشردين داخلياً دون الحماية الملائمة على الأرض نظراً للفجوات القانونية، وعدم وجود وسائل التقوية، إضافة إلى عوائق أخرى. وفي ظل غياب معاهدة دولية بخصوص المشردين داخلياً، فقد صيغت المبادئ التي تسري على التشريد الداخلي من أجل تزويد المنظمات الدولية بما يوجه عملها على الأرض، في غياب دعم الحكومات المحلية لمفهوم المعاهدة الدولية، حيث أنها تجادل بأن هذا الأمر هو مسألة محلية تتم معالجتها بناءً على قانون البلد. وتتسم عمليات الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان بأهمية أساسية في رصد وحماية حقوق الإنسان الخاصة بالعائدين والمشردين. ويمكن أن يتعرض المشردون داخل بلدهم بصفة خاصة لانتهاكات لحقوقهم الإنسانية، وقد يحتاجون إلى شكل معين من أشكال حماية هذه الحقوق. وفي السنوات الأخيرة ازداد وعي المجتمع الدولي بمحنة المشردين داخلياً. ومنذ أن لفتت الأمم المتحدة أنظار المجتمع الدولي للمرة الأولى إلى أزمة التشريد الداخلي، عمدت منظمات حكومية دولية وغير حكومية إلى توسيع حدود ولايتها أو نطاق أنشطتها لتلبية احتياجات المشردين داخلياً بصورة أكثر فعالية. وأصبحت الحكومات أكثر استجابة بعد أن أدركت مسؤوليتها الأولية عن حماية ومساعدة السكان المتضررين الخاضعين لسيطرتها. وغدت في الحالات التي يتعذر فيها الاضطلاع بهذه المسؤولية، لعدم توافر الإمكانات، أقل عزوفاً عن طلب المساعدة من المجتمع الدولي. ومن ناحية أخرى، من الصحيح القول إن المجتمع الدولي، وإن يكن أكثر نزوعاً للاستجابة الفعّالة لظاهرة التشريد الداخلي، على الصعيدين المعياري والمؤسسي، فإنه أقل تهيؤاً للاضطلاع بهذه المهمة. ان الحالة المأسوية التي يمر بها السوريون، من تشرد داخلي بفعل القتال المستمر بين القوات الحكومية والمعارضة المسلحة، أفرزت أعداداً كبيرة من المشردين الباحثين عن مناطق أكثر أمناً، ففي أحدث إحصائية للأمم المتحدة وصل عدد المشردين داخل سورية إلى ما يقارب ستة ملايين لاجئ ، ولم تفلح الجهود الدولية حتى الآن في تأمين ما يحتاجه هؤلاء من بيئة للعناية بهم كضحايا للنزاعات المسلحة، ولا بد من جهود أكبر وأكثر فاعلية لتخفيف معاناة هؤلاء المشردين تشتمل على الأمور الآتية: أولاً- تأمين الملاذات الآمنة للمدنيين بعيداً من مناطق الصراع المسلح. ثانياً- الضغط على أطراف النزاع لإرغامهم على عدم التعرض للمساعدات التي يتم إيصالها للمشردين. ثالثاً- زيادة الدعم الدولي للوكالات العاملة في مجال حقوق الإنسان داخل سورية بعيداً عن سيطرة المسلحين والنظام. رابعاً- توفير بيئة مناسبة للأطفال لإكمال دراستهم. خامساً- توفير الرعاية الصحية العاجلة للمرضى من المشردين ونقل الحالات الخطيرة إلى خارج سورية.