ثبت عجز الدول العربية التي تعرضت لتغيرات سياسة كبيرة عن ضبط أمنها الداخلي، وانكشف ضعف خبرات قياداتها السياسية التي جاءت من الفراغ السياسي لتحكم عالماً ممتلئاً بالتحديات والمصاعب، وكلما حاولت الإمساك بدفة القيادة فقدت السيطرة، فالتحدي الذي تواجهه ليس شيئاً خارجاً عن طبيعة ظروفها بل من واقعها المتغير بكل شيء إلا من الإرادة السياسية الضعيفة، فكأنها تحولت من حالة ضعف الى حالة ضعف أسوأ منها. ضعف العالم العربي اعتراف ليس جديداً، ولن يكون قديماً انتهى زمنه إلا بمبادرة عربية جديدة تتطلب فكراً سياسياً جريئاً ومبادراً يقتحم حالة الضعف بشجاعة تاريخية تجعل حالة التغيير التي حدثت في العالم العربي أمراً إيجابياً لكل شعوب المنطقة، يكون البطل في هذه السياسة القومية فعل المبادرة وليس زعيماً خالداً يريد أن يصنع مجده الشخصي على حساب الشعوب وتاريخها وتنميتها، فعل تكون صفة المشترك فيه واقعاً ملموساً يتحرك بإرادة جماعية لمواجهة التحديات بقوة العمل الجماعي المشترك. فبعد أن عرفت الدول العربية حجمها في خريطة التحالفات الدولية اليوم وهو حجم يرشحها لمزيد من الضعف والتراجع والانقسام، لا بد أن يغطى هذا الضعف بإرادة حامية لمكتسبات فُقد أغلبها ولم يتبق منها إلا القليل، فسياسة الدول العظمى الموجهة للعالم العربي غير مطمئنة، فحتى القوة المؤقتة التي منحتها لبعض الدول العربية بدأت تسحبها بطرق خبيثة، كان الدرس واضحاً منذ احتلال العراق 2003، ولكن الاستفادة منه لم تكن حاضرة. الفعل المشترك الذي ندعو إليه، هو نفسه الفعل الذي طرحته المملكة لمعالجة الوضع الأمني المتردي في العراق قبل عشر سنوات، وهو تشكيل قوة عسكرية من جميع الدول العربية لتحل مكان الجيش الأمريكي، وتكون بهذا أنهت الاحتلال وسدت الفراغ الأمني الذي تركه تفكيك الجيش العراقي، ولكن للأسف هذه المبادرة واجهت معارضة أمريكية، ومصرية زمن الحكم السابق.. اليوم تواجه عدة دول عربية فراغاً أمنياً ملأته قوات مسترزقة وظلامية تعمل لحساب كل الجهات إلا البلد الذي تتواجد فيه، كما تشهد تلك الدول عنفاً سياسياً لا ينتج عنه إلا عنف وفوضى، الواقع يقول: إن المبادرات العربية الفردية التي أعلنت عن تدخلها في تلك الدول تعرضت للتخوين والهجوم لعدة أسباب منها ماهو واقع ومنها ما هو افتراض ينفيه الواقع. الوضع في ليبيا يجب ألا تغيب عنه مبادرة العرب الحافظة لأمن الأشقاء واستقرارهم، ولن تكون هناك مبادرة عملية إلا بإرادة سياسية عربية جديدة تختلف جذرياً عن مبادرات السابق، مبادرة تبدأ بتشكيل قوة عسكرية عربية مشتركة مهمتها التدخل في البلدان العربية التي اهتز أمنها، وكذلك تشجيع تشكيل فريق وسطات عربية تكون إقامة في البلدان العربية المحتاجة لوساطات إقامة دائمة، هذا ليس حلماً ولا خيالاً بل ضرورة إن كان الدم العربي مازال غالياً عند العرب، فعلى السياسيين ألاّ يكتفوا بالتفرج على الدم والألم العربي في الفضائيات ويصبحوا جزءاً من جمهور الإعلام الذي جعلت منه تلك المشاهد متابعاً لا مبالياً، وتبلد شعوره بسبب سيل المشاهد الحزينة والمؤلمة، وألا يكتفي السياسي بحضور الاجتماعات الدورية في الجامعة العربية التي مات بها كل فعل منقذ.