ما يزيد على ستة عقود مرت على الثورة المصرية عام 1952م والتي لم تكن دموية عندما وُدّع الملك فاروق بالنشيد الوطني مع عائلته غير أن الثوار الشبان لم يكونوا على وفاق مع قائد الثورة محمد نجيب الذي كان يدعو إلى نظام مدني وتنحي الجيش وما لحق ذلك من ملابسات حيث أعطى المعاصرون والقريبيون من الثورة آراء حول تلك التطورات، وملابساتها. لم تحدث انتخابات شعبية طيلة فترة المراحل العسكرية، بل كان تعيين نائب للرئيس هو الوريث المباشر في حال فراغ الحكم وقد حدث ذلك مع السادات بعد عبدالناصر، ومع مبارك بعد اغتيال السادات، غير أن الثورة التي أنهت مسلسل الحكم العسكري جلبت وريثاً خطف الحكم بانتخابات كانت عاطفية في اختيار محمد مرسي ممثلاً لنظام الإخوان المسلمين، والذين استعجلوا الحكم واعتبروه السلّم المؤدي للخلافة الإسلامية فجاءت تصرفاتهم وكأنهم يقودون حزباً لا دولة باشتراطات خاصة وتحديات كبيرة، ولذلك تم إسقاطهم شعبياً بثورة مضادة. انضباط المؤسسة العسكرية وخيارها الحياد في عام الثورة الأول، جاء التزاماً بعدم التدخل، لأن الشارع نفسه يرفع شعار «يسقط حكم العسكر» ولكنه أمام الخوف من انزلاق مصر لدورة المتاهات التي غرقت بها دول الربيع، وعكست البوصلة في المناداة بتدخلهم ليعلن المشير عبدالفتاح السيسي استيلاء الجيش على السلطة، وما حدث بعد ذلك حاضر في ذهن كل مراقب للأحداث. الجديد في متواليات الأحداث أن الشعب العظيم والصبور على كل ما واجهه من ظروف صعبة أعطى نموذجه في ضرورات التغيير، إذ رغم قبوله رجلاً عسكرياً يقوده في المراحل القادمة إلا أنه رفض عودة المسلسل القديم الذي جعل مصر مركز اختبار لأحداث لم تكن تتناسب وضرورات الاهتمام بالشأن الداخلي ورعايته بحيث تحدث نقلة نوعية لبلد يمتلك ميزة المكان والتاريخ والقيادة لمحيطيه العربي والأفريقي، وهنا كان لا بد من تغيير في المفاهيم ضمن ديناميكية جيل شاب يريد أن يضع نفسه على قائمة من يحدثون التغيير، فجاءت الانتخابات خياراً وطنياً، ورغم أن النتائج الأولية وضعت السيسي في المقدمة في نسبة عالية عن منافسه، وكتجربة ثانية في الاقتراع الشعبي فإن هيكل الدولة وأنظمتها ودستورها، لا يمكن أن تعيد رتم الأنظمة السابقة لأن الوعي المنتشر وفاعلية العصر واختلاف الهموم والأدوار تفرض أن يكون النظام مراقباً من الشعب بحيث لم يعد هناك من يتسامح مع الفساد وتجاوزات المطالب الوطنية. بلا شك أن عبدالفتاح السيسي، وإن لم يحكم عليه في سنواته الأولى أمام أثقال ستين عاماً مضت، لا يمكنه أن يغير معالم الأشياء في عام أو عامين، ولكنه مطالب بخيارات فريق عمل حكومي يستجيب للتحديات والمهمات الثقيلة في القضاء على الفقر وتحريك دولاب التنمية وإصلاح هيكل التعليم ومؤسسات الحكم المدني، إلى آخر السلسلة الطويلة التي تحتاج إرادة الرجال وصبرهم، وتقديمهم أنفسهم أمام امتحان وطني شديد التعقيدات والحساسيات. مصر غنية برجالها، وهي تخطو نحو بلورة نمط جديد لوطن يولد من جديد.