باريس: ميشال أبو نجم تنظر باريس بكثير من التشكيك لما ورد في خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما في موضوع عزمه على مساعدة المعارضة السورية لتكون بديلا عن النظام ولتمكينها من مواجهة المنظمات الجهادية. وقالت مصادر فرنسية رسمية لـ«الشرق الأوسط» تعليقا على خطاب أوباما في المدرسة العسكرية ويست بوينت وعلى رد فعل الائتلاف الوطني السوري، إنها «لم تلمح» تغيرا في السياسة الأميركية تجاه المطلب الرئيس الذي حمله رئيس الائتلاف السوري أحمد الجربا إلى واشنطن قبل أسبوعين والداعي إلى توفير الأسلحة «النوعية» للمعارضة «المعتدلة» وتحديدا المضادات الجوية والصواريخ التي تطلق عن الكتف. وبرأي باريس، فإن تأكيدات أوباما حول عزمه على زيادة دعم المعارضة غرضها توجيه رسالة إلى الداخل الأميركي وقوامها أن الإدارة «لن تتخلى عن سوريا ولن توفر جهدا للوقوف بوجه المنظمات الجهادية عبر دعم المعارضة المعتدلة». لكن من الناحية العملية «لا نرى أن واشنطن ستغير سياستها جذريا أو أنها تخلت عن تحفظاتها لجهة رفع الحظر عن إيصال الأسلحة النوعية» للمعارضة. وكان أحمد الجربا، رئيس الائتلاف، قد أبلغ «الشرق الأوسط» في حديث مطول الأسبوع الماضي أن الإدارة الأميركية عازمة «في الأسابيع المقبلة» على توفير المعدات والسلاح الذي يطلبه. لكن، بالمقابل، ترى باريس أن الإدارة الأميركية يمكن أن «تكثف» برامج التدريب العسكرية التي توفرها للمعارضة المسلحة وأن تزيد تقديم الأجهزة والمعدات العسكرية فضلا عن زيادة الدعم المالي المباشر وكلها مساهمات مفيدة وتحتاجها المعارضة ولكنها «ليست العنصر الفاصل» الذي تحتاج إليه لقلب مجريات الأمور ميدانيا. اللافت في المقاربة الفرنسية اليوم أنها تراهن على التحولات «على المدى البعيد» ليس فقط الميدانية منها، ولكن أيضا تطور الدعم والمساندة لكلا الطرفين من الأطراف الإقليمية والدولية. وتنهض هذه النظرة على اعتبار أن الانتخابات الرئاسية في سوريا «لن تغير من واقع الأمور شيئا»؛ إذ إن المعارضة «لن تعترف به أبدا رئيسا شرعيا» كما أن الخارج «لن يغير نظرته إليه» باستثناء البلدان التي تدعمه منذ البداية وأهمها روسيا وإيران والصين. ولذا فإن «الشرعية الجديدة» التي يبحث عنها «لن يجدها وسيبقى الرئيس الذي دمر بلده وأوقع عشرات آلاف القتلى واستجلب الإرهاب والمنظمات الجهادية». ولذا، فإن مصير النزاع في سوريا مرهون بمعرفة «من يصرخ أولا». ورغم التقدم الذي أحرزته قوات النظام ومن يدعمها وسط سوريا وفي محيط العاصمة، فإن باريس لا تعد من النوع الذي «يمكن أن يغير مصير الحرب». وبرأيها، فإن السؤال الذي يتعين طرحه اليوم هو: هل سيستمر النظام في الحصول على الدعم المطلق من موسكو ومن طهران وخصوصا، هل إيران مستعدة للاستمرار في دعم الأسد كما دعمته حتى الآن سياسيا وعسكريا وماديا؟ لا تلوح في القراءة الفرنسية لمآل الأزمة السورية نقاط ضوء كثيرة، لكنها تتوقف عند نقطتين ربما تنعكسان إيجابيا على «المناخ العام» في المنطقة، وهما التقدم على صعيد الملف النووي الإيراني، واحتمال التوصل إلى اتفاق نهائي مع نهاية شهر يوليو (تموز) المقبل والدعوة التي وجهها وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل لنظيره محمد جواد ظريف لزيارة المملكة. وفي القراءة الفرنسية أن تطورات إيجابية من هذا النوع «ستساعد على إيجاد قنوات اتصال» يرجح أن تنعكس إيجابيا على بعض ملفات المنطقة وأوضاعها كالبحرين واليمن ولبنان. لكنها ترى أنها «لن تكون كافية» لتسوية الحرب في سوريا أو لتوفير الاستقرار في العراق لما لهذين البلدين من أهمية استراتيجية لطهران ولكونهما ورقتين «لن تفرط بهما إيران». مجمل هذه العوامل يجعل الجانب الفرنسي شديد القلق من تبعات الحرب في سوريا، الأمر الذي يفسر تركيز باريس على معالجة الملف الإنساني ومساعدة المهجرين السوريين من جهة، وعلى استمرار السعي على تحريك الأسرة الدولية إن في مجلس الأمن الدولي أو النظم الدولية الأخرى لإبقاء الملف السوري مطروحا بقوة. والهدف الثاني يكمن في حرمان النظام من أن يقدم نفسه على أنه «نجح في تطبيع الوضع» وأن الانتخابات في سوريا «تجري كما في أي بلد آخر» زاعما أنها توفر للأسد «شرعية جديدة» تقطع الطريق نهائيا على ورقة جنيف التي تدعو إلى حكومة انتقالية تتمتع بكل الصلاحيات التنفيذية. وفي رأيها أن جل ما سيقبل به النظام بعد ذلك هو ضم شخص أو شخصين من «المعارضة المقبولة» منه، ما سيساعده على تقديمها على أنها «حكومة وحدة وطنية»، وما عداها إرهاب بإرهاب.