لفت نظري ما نشر في صحيفة الحياة، يوم الأربعاء الماضي، عن الخطة (الجديدة) للمقررات الدراسية لطلبة وطالبات الثانوية العامة للعام القادم، حيث تضمنت الخطة وضع مقررين متشابهين بعنوانين مختلفين، أحدهما للبنين، والآخر للبنات، اختير لمقرر البنين عنوان (التربية الصحية والبدنية)، واختير لمقرر البنات عنوان (التربية الصحية والنسوية). هذا الاختلاف في العنوانين شدني، لفت نظري إضافة لفظ (النسوية) إلى كتاب البنات، بدلا من لفظ (التربية البدنية) المدون على كتاب البنين!! للوهلة الأولى، ظننت أن لفظ (النسوية) الذي صار حاليا مصطلحا عربيا يقابل مصطلح Feminizm الغربي، الذي يشار به إلى حركة النساء في الغرب التي تطالب بالمساواة بين الجنسين في جميع الحقوق الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها، للوهلة الأولى ظننت أن هذا اللفظ أضيف إلى عنوان الكتاب؛ لأن المشرفين على الكتب رأوا حاجة البنات إلى أن يطلعن على تاريخ صراع المرأة في العالم من أجل نيل الحقوق، وأن يعرفن ما يجري من تغيرات تتعلق بمكانة المرأة ووضعها في المجتمعات المختلفة أكثر من حاجتهن إلى التربية البدنية، فقدموا تدريس (النسوية) لهن على تدريس التربية البدنية!! لكني ما لبثت أن أدركت أن المراد شيء مختلف تماما، فما زالت (النسوية) لدى كثيرين منا لا تعني أكثر من شؤون الطبخ ورعاية المنزل، وتربية الأطفال، أو الاعتناء بالمظهر والتودد إلى الزوج، وهو ما يعكس المفهوم التقليدي لدور المرأة وواجباتها داخل الأسرة. لكن هذا المفهوم التقليدي انتهت صلاحيته في أيامنا هذه، صار مفهوما بعيدا عن الواقع، لا يتلاءم مع ما يجري في الحياة الفعلية القائمة حقا، فالمرأة لم يعد دورها مقتصرا على رعاية الأسرة فحسب، وإنما صارت تعمل من أجل كسب المال، وتشارك الرجل في الإنفاق على الأسرة، فضلا عن أن كثيرا من المهام الأسرية كالتربية والإشراف على شؤون الأسرة أو الاعتناء بالمظهر والتودد إلى الزوج، من الخطأ الجسيم حصرها في المرأة وحدها؛ لأن الرجل هو أيضا مسؤول عن تربية أبنائه، وعن الإشراف على أسرته، والاعتناء بمظهره، والتودد إلى زوجته، إن أراد حياة أسرية هنيئة. هذا يعني أننا إن كنا نرى وجود حاجة لتضمين الكتب المدرسية شيئا من المهام الأسرية، فلنضمنها في كتب الجنسين بلا تفرقة بين كتب للبنين وأخرى للبنات! أما إن كانت إضافة (النسوية) إلى كتاب البنات مجرد سد ثغرة أحدثها حذف لفظ (التربية البدنية) من كتابهن، فهذه (سقطة) لا تغتفر، أن تظل وزارة التربية والتعليم تتحرج من مجرد وضع لفظ التربية البدنية على كتاب الطالبات!! إن ما ننتظره، ونحن ندخل عصر تطوير التعليم ذي المليارات الثمانين، أن تتخلى كتبنا ومقرراتنا المدرسية عن رداءها الرث القديم، فتستبدل به رداء عصريا يخاطب الطلاب والطالبات بلغة العصر ويلبي احتياجاتهم الفعلية، فلكل زمن كتبه ومقرراته التي تنبع مواضيعها من احتياجاته الآنية وتطلعاته المستقبلية، ولن يكون ذلك إلا بفك القبضة القديمة التي ما زالت تحكم سيطرتها على تقرير ما يدرس وما لا يدرس، وما يضمن في الكتب وما لا يضمن!!.