في التقييم الاقتصادي للدول، يُنظر دائماً لحجم ومساحة وتطور قطاع النقل العام فيها، فهو من ناحية اقتصادية مورد كبير، وإمكانية تشغيلية عالية، وهو يكشف الخطط الاقتصادية والمستقبلية لأي دولة، لأن النقل في بلد شاسع كالمملكة يستوجب أن يكون قطاع النقل فيها على مستوى إمكاناتها وقدراتها، ولكن للأسف الشديد قطاع النقل لدينا ضعيف جداً، وبسبب ضعفه نخسر الكثير اقتصادياً واجتماعياً. ولعل ما نراه من فوضى وإهمال وعدم وجود أي اهتمام، أو عناية من الجهات المعنية، وبخاصة من سيارات الأجرة العامة وخط البلدة، وحافلات النقل الجماعي المتهالكة والنقل البري، والنقل المدرسي، مما انعكس سلباً على نفسية المواطن واقتصاد الوطن، وتسبب ذلك في ظهور حالات كثيرة من الفوضى، والزحام والاختناقات المرورية، وحوادث الطرق، وتلوث البيئة، وارتفاع أسعار النقل. عندما تنظر إلى دول مثل الإمارات، وماليزيا، تكتشف أن شبكة الطرق، وقطاع النقل، والسياحة، والخدمات، مصدر قوة اقتصادية، وتُعبّر عن شعوب تتطور بسرعة فائقة، وبعضها ليس بما نحن فيه من خير ونعمة، والسؤال لماذا هذه البيروقراطية؟.. ألا يستحق بلدنا منجزات أفضل، لماذا ينظر المواطن إلى (شركة أرامكو) دائماً، ويتمنى أن تقتبس مؤسساتنا منها التخطيط، والإدارة والتنفيذ وبخاصة في هذه الصناعة الخدمية، التي تحتاج شروطاً في نوعية الخدمات، لا في تعقيد الإجراءات، كما هو متبع في أغلب مؤسساتنا. لقد أصبحت الحاجة ماسّة لتحسين وتطوير وسائل النقل العام في المملكة بشكل أفضل وخصخصته، ولكن ضمن رؤية تخطيطية سليمة، فجميع الدول المتقدمة تُولي أهمية كبيرة للنقل العام لأهميته ودوره الفاعل في خدمة الوطن والمواطن وذلك بتطوير البنية التحتية للنقل العام، وتوفير جميع الخدمات، خصوصاً أنه يُوفر فرصاً وظيفية وتشغيلية واستثمارية للمواطن، وإتاحة الفرصة للقطاع الخاص للاستثمار فيه، وكسر الاحتكار الذي أساء للدولة ولمواطنيها. ولعل من أهداف الدولة - رعاها الله - أن إنشاءات هيئة للنقل العام لتنظيم النقل العام داخل المدن وبينها وتوفير مستوى جيد وتكلفة ملائمة، وتشجيع الاستثمار فيه بما يتفق مع أهداف التنمية الاقتصادية في المملكة، لكن هناك أسئلة كثيرة تطرح كيف سيكون دورها في فك الاختناقات المرورية؟.. وكيف ستقضي على عشوائية السوق؟.. وكيف ستنظم عملية النقل؟.. وما دورها في النقل المدرسي، ونقل المعلمات؟.. لم نر أي دور حتى الآن للهيئة! ولماذا يتبع النقل المدرسي لوزارة التربية والتعليم، رغم أنه من اختصاصات الهيئة؟. ولكي ينجح قطاع النقل لعام في المملكة يجب السعي إلى خصخصته ضمن رؤية مستقبلية، تسهم في الاستعجال بتطويره، والتنسيق بين جميع الجهات المعنية، من وزارة النقل، وإدارات المرور، وأمانات المدن، وحماية البيئة، والسياحة، والقطاع الخاص، وذلك لوضع الخطط الإستراتيجية، لإيجاد وسائل نقل عام حديثة، ومتطورة ومتكاملة، والإسراع في إنهاء مشروع المترو والقطارات، وتغطية جميع أنحاء المملكة بكل وسائل النقل، وتوفير حركة نقل محلية وخارجية، ذات مستوى جيد ومنظم، تخدم جميع شرائح المجتمع. لقد أصبح المواطن ينتظر حلاً عاجلاً من جميع الجهات المعنية، لتفعيل مشروع النقل العام، وفتح مجالات جديدة أمام الشركات العالمية للاستثمار الأجنبي فيه ومجالات أوسع لتوظيف المواطنين، حيث إن تعاون هيئة النقل العام مع الهيئة العامة للاستثمار سوف يفتح المجال أمام المستثمرين الأجانب للاستثمار في مجال النقل البري، فهذا سيكون من المجالات التي تضيف قيمة حقيقية للاقتصاد الوطني وتسهم في توطين الوظائف وتنشيط السياحة الداخلية, لذا يفترض الاستعجال قي خصخصة النقل العام، من خلال تنفيذ خطط إستراتيجية متقدمة وإيجاد وسائل نقل عام متطورة وحديثة تخدم العاصمة، وكافة مدن المملكة، وفرض نمط محدد وواضح من الخدمات المقدمة، تُعبّر عن تصور مستقبلي يقود مواطنينا نحو تطوير قدراتهم، والسعي إلى توسيع فتح مجالات جديدة للعمل بهدف تعزيز القوى الوطنية العاملة لتوظيف المواطنين في مجال النقل العام ليكون حلاً للبطالة، ورافداً وداعماً للاقتصاد الوطني.