في خضم الاستقطاب الفضائي والاستغلال التلفزيوني في مصر، عاد تلفزيون الدولة يرقص على السلالم، فلم تكتمل جهوده الإصلاحية ليتحول إلى التلفزيون الناطق بلسان حال المواطن، ولا نضجت محاولاته لخلع عباءة التبعية للحزب الحاكم ورموزه. وانتقلت الفضائيات المصرية إلى المرحلة التالية، إذ أُغلقت القنوات الدينية حيث التحريض بورقة الدين وفتاوى قتل المتظاهرين وفقه تجريم التظاهر، وهي المرحلة التي أعقبت أحداث 30 حزيران (يونيو) الماضي وما بعدها من انحياز الجيش للرغبة الشعبية وعزل الدكتور محمد مرسي. ووجدت الفضائيات الخاصة المنزوعة النكهة الدينية نفسها تلعب وحدها على الساحة، فكشر البعض عن أنيابه، وكشف البعض الآخر عن وجه قبيح، وحاول فريق ثالث الاحتفاظ بمقدار من الموضوعية وعدم الانحياز في زمن عز فيه الحياد وشحت فيه المعلومات وحلت فيه الآراء والتحليلات والمواقف محل المعلومة والخبر. ولأن «التوك شو» يتضمن مادة تؤدي إلى الإدمان، ولأن أجواء الإشاعات ونظريات المؤامرات التي ينوء بها الأثير لا تقل إثارة عن أعتى الأفلام الأميركية ولا تقل حلاوة عن أفضل المسلسلات التركية، فقد أقبل عليها المصريون في محاولات لإيجاد تفسير هنا أو تحليل هناك يساعدهم على فهم ما يدور من أحداث وما يدبر بينهم من مكائد. ولم ترحمهم هذه القنوات، ولم ترأف بحالهم المتخبط في غياهب ظلمات الأحداث المتلاحقة، وبدلاً من أن تغدق عليهم بمعلومات منزهة عن الاتجاهات أو تمن عليهم بأخبار من دون إضافات، انهالت عليهم بكل ألوان وصنوف التكهنات المبنية على إشاعات والمختلطة بآراء. ولم تكتف بعذابات المشاهد ومعاناته، بل أكملت على ما تبقى منه بالإمعان في استضافة شخصيات ورموز وضعهم المشاهد منذ ثورة يناير في قائمة شعبية سوداء، إذ لا يمكن فصلهم عن نظام الرئيس السابق حسني مبارك، وهي الشخصيات التي إن كانت تتمتع بمقدار من وطنية لكانت اتخذت قراراً بالاحتجاب بعيداً من الشاشات ولو موقتاً. الظهور المكثف لبعض تلك الشخصيات في شكل مبالغ فيه هذه الأيام يطرح الكثير من الأسئلة حول الغاية من ظهورهم، والتداعيات الناجمة عن ذلك وأبرزها مزيد من شق الصف. البعض يطالب بشن حملات شعبية تطالب بمقاطعة القنوات التي تستضيف تلك الشخصيات التي تضر أكثر ما تنفع، والبعض الآخر رفع «تظلمات» إلى القائمين على أمر تلك القنوات يناشدهم البعد من الإثارة ولو كانت تضمن رفع نسب المشاهدة وجذب جيوب المعلنين، وفريق ثالث قرر أن يقاطع مثل تلك القنوات طواعية. أما تلفزيون الدولة، فباق على حاله يصول ويجول في دوائر مغلقة، ينتظر نظاماً جديداً يداهنه، أو نظاماً سابقاً يعارضه، أو خطة إصلاح تهذبه!