×
محافظة المنطقة الشرقية

فانوس السيسي أحدث تقاليع رمضان 2014

صورة الخبر

النسخة: الورقية - دولي قبل الانتخابات العامة في الاتحاد الأوروبي والهند، كان الانطباع السائد عن المنطقة العربية أنها تحتل بين الأقاليم العالمية، المركز الأول في تصدير التعصب الديني والإثني. وفاقمت الانتخابات التي أجريت في بعض الدول العربية هذا الانطباع المتشائم، إذ تخللتها شتى أنواع الصراعات الدينية والمذهبية والإثنية والجهوية والاجتماعية. ولكن الانتخابات التي أجريت في الهند وأوروبا خلال الأيام المنصرمة، أفسحت في المجال أمام مراجعة هذه الحسابات، وأمام الاعتقاد بأن المنطقة العربية قد تخسر الأسبقية في هذا المجال. تكتسب التوقعات الأخيرة صدقيتها من حجم الانتصار الذي حققه حزب «بهاراتيا جاناتا» في الانتخابات الهندية، وحجم التقدم الذي حققته في الفترة نفسها أحزاب اليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية. لقد فاز في الهند حزب «جاناتا» الذي يوصف عادة بالمتطرف بـ282 مقعداً من أصل 543 مقعداً في الغرفة الثانية من البرلمان الهندي. هذا الفوز أهله للانفراد بتشكيل الحكومة الهندية. أما في انتخابات الاتحاد الأوروبي، فإن أحزاب اليمين المتطرف زادت حصتها بصورة ملحوظة من المقاعد في البرلمان الأوروبي، فوصلت إلى أكثر من 130 مقعداً من أصل 751. وفي بعض الدول فاز اليمين المتطرف بأعلى نسبة من الأصوات كما حصل في بريطانيا حيث سبق حزب الاستقلال كلاً من المحافظين والعمال والليبراليين الديموقراطيين في نسبة عدد الأصوات. وخلافاً لما هي الحال في الهند حيث وصل ناراندرا مودي، زعيم حزب «جاناتا»، إلى رئاسة الحكومة الهندية، فإن اليمين المتطرف الأوروبي لن يتمكن من إيصال أي شخصية يرشحها إلى رئاسة المفوضية الأوروبية في بروكسيل. ولكن هذا لا يخفف كثيراً من أهمية الحجم الانتخابي والسياسي لأحزاب اليمين المتطرف في البرلمان الأوروبي. إن هذه النتائج ستمكنه من الانتقال من أطراف السياسة الأوروبية إلى قلبها، تماماً كما حصل مع «جاناتا» حينما دخل السياسة الهندية كلاعب صغير من خلال دوره الفاعل عام 1992 في إحراق مسجد بابري التاريخي، ومن ثم صعد السلم السياسي من طريق التحريض ضد الهنود المسلمين. إن نجاح اليمين المتطرف في أوروبا والهند ستكون له مضاعفات ونتائج بعيدة المدى على الصعيدين العالمي والعربي. وعلى رغم المسافات التي تفصل بين شبه القارة الهندية والقارة الأوروبية، إلا أن التعصب لا ينتمي إلى بلد معين، ولا يحمل جنسية واحدة ولا يحتاج إلى تأشيرة لكي يتنقل من بلد إلى آخر، ولكي ينتقل إلى الأراضي العربية. وعلى رغم الاختلاف الكبير بين الثقافتين الأوروبية والهندية، إلا أنه لن يصعب على المتعصبين في حزب «جاناتا» وأحزاب اليمين الأوروبي المتطرف التوصل إلى جذور متقاربة وتعاون سياسي بحيث يزيد خطرهم على المجتمع الدولي وعلى المنطقة العربية التي تقع على طريق الهند - أوروبا. كما هدد صعود أحزاب اليمين المتطرف النظم الديموقراطية خلال الثلاثينات، فإن صعود اليمين المتطرف في الهند وأوروبا يهددها اليوم. فاليمين المتطرف يستخدم الآليات الديموقراطية للوصول إلى السلطة وللتمركز فيها، ولكنه لا يحافظ على هذه الآليات ولا يعمل على ترسيخها وتنميتها. بالعكس، هو سيعمل على تقليصها بحجة أنها تفتح الباب أمام أعداء مفترضين للدول الديموقراطية لتهديمها من الداخل. العدو المفترض هو المهاجر الاقتصادي الذي يأتي أوروبا للعمل، أو اللاجئ السياسي الذي يأتيها طلباً للحرية. ما يضاعف من خطر وصول التعصب الفئوي إلى السلطة في الهند وربما إلى أوروبا أنه يضع يده على أسلحة الدمار الشامل. إن حدثاً من هذا النوع يزيد من احتمال المواجهات النووية بين الهند وباكستان. هذا لا يعني أن التعصب الفئوي حكر اليوم على الهند وحدها، بل إنه موجود، بكل تأكيد في باكستان أيضاً. إلا أن وصول مودي إلى رئاسة الحكومة في الهند، ومن دون شركاء وحلفاء من أحزاب أخرى يخففون من غلوائه، سيزيد من خطورة استخدام أسلحة الدمار الشامل في الصراع بين البلدين. لقد ترك مودي المتطرفين من حزبه يرتكبون المجازر الدينية عندما كان رئيساً لحكومة كوجيرات، ودافع عنهم وقدم لهم الحماية عندما أرادت السلطات القضائية التحقيق معهم. هذا السلوك جعل مؤسسي حزب «جاناتا» أنفسهم يعارضون رئيس الحكومة الهندي الجديد ويخشون من تطرفه ونزوعه إلى العنف وميله إلى الاستبداد. يزيد من خطر وصول التعصب الفئوي في أوروبا والهند ردود الفعل المرحبة والمتشفية التي بدرت عن أوساط سياسية وإعلامية دولية نافذة تجاه نتائج الانتخابات الأوروبية والهندية. الأوساط التي أعلنت الحرب على المشروع الفيديرالي الأوروبي منذ ولادته، ترحب اليوم بحرارة بتخلي أحزاب اليمين المتطرف، مثل «الجبهة الوطنية» الفرنسية بزعامة مارين لوبن عن شعارات التطرف وانضمامها إلى صفوف «المعتدلين». هي نفسها تطرح جانباً وبسرعة الاتهامات والإدانات كافة الموجهة إلى رئيس الحكومة الهندي الجديد وتحوّله إلى منقذ ليس للهند فحسب، وإنما للعالم. هل صحيح أن المتطرفين والعنصريين تخلوا عن تطرفهم وعنصريتهم؟ بلى، لوبن اعتذرت عن لا سامية والدها الذي وصف «المحرقة» بأنها مجرد «تفصيل من تفاصيل التاريخ»، ولكنها لم تعتذر قط عن لا سامية الجبهة التي تتزعمها الموجهة ضد العرب في فرنسا. أما مودي فلم يكلف نفسه مجرد الاعتراف بالخطأ تجاه مسلمي الهند ناهيك عن الاعتذار منهم. تتغذى هذه النزعات المتعصبة التي تهدد القيم الإنسانية من نزعات مماثلة موجودة في المجتمعات العربية، وكثيراً ما ترشح منها إلى بلاد الهجرة مع عرب الاغتراب. إذا أردنا أن نحمي أنفسنا من مضاعفات صعود العنصرية والقوميات والإثنيات المتطرفة والتعصب الديني لدى الآخرين، فيتوجب علينا أن نبرهن على جدية في معالجة هذه الظواهر والقضاء على مسبباتها وعوارضها والنتائج التي تنجم عنها في ديارنا. للوصول إلى هذه الأهداف لا نجد أفضل من تطبيق الإصلاح الديموقراطي والتعددية الثقافية وتنمية التعاون الإقليمي بين الدول العربية.     * كاتب لبناني