خيم الحزن العميق على السعودية من أقصاها إلى أقصاها برحيل رجل الدولة الدكتور عبدالعزيز الخويطر، الذي وافاه الأجل عن ٨٨ عاما ــ رحمه الله. كان الخويطر فعلا هو القوي الأمين، ويروى عن الملك فيصل قوله: «عبدالعزيز الخويطر ثروة وطنية فلا تفرطوا فيها». شغل الخويطر مناصب حكومية عدة، منها عضو هيئة التدريس بكلية الآداب جامعة الملك سعود، وأمين عام مجلس جامعة الملك سعود، ووكيل جامعة الملك سعود للشؤون الأكاديمية. كما تولى منصب رئيس ديوان المراقبة العامة، ثم وزيرا للصحة، فوزيرا للمعارف، كما شغل منصب الوزير بالإنابة في عدد من الوزارات، منها المالية والتعليم العالي والعمل والزراعة، وكان آخر المناصب التي تولاها وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء. رجل الدولة العتيد عاصر أربعة ملوك هم سعود وفيصل وخالد وفهد ــ يرحمهم الله، ثم عبدالله ــ حفظه الله. برحيله ينفرط عقد الراحلين من الجيل الأول الإداري الذي ساهم في تأسيس الرؤى والمشاريع والبنى الأساسية للوزارات والفعل الإداري والحكومي، وذلك بعد أن صعقنا برحيل الدكتور غازي القصيبي الذي طالما تحدث عن الخويطر بسخاء في كتاباته وأخص منها: «حياة في الإدارة». ما لا يعرفه البعض أن وشاح الملك عبدالعزيز من الطبقة الأولى لم يمنح إلا لأشخاص معدودين، من بينهم الدكتور الراحل عبدالعزيز الخويطر. امتاز باليد النظيفة رغم تسنمه العديد من الوزارات والإدارات، كان شريف اليد، عفيف اللسان، اعتنى بالتاريخ والأدب والشعر، كان محبا للعلوم التربوية والمعارف التراثية، وكتب مؤلفه الشهير: «أي بني»، والذي كان أمينا فيه على حياة قديمة خشي أن تطمرها المدنية من ذاكرة الجيل، فوثق فيها كيف كانت الحياة الأولى والمعاناة والتعب والكد، قبل ظهور خير النفط! لم يكن يبحث عن إثارة في عمله، بل يكدح بجد حتى آخر حياته لأجل وطنه وبلده، وما زلت أذكر أن أحد ضيوف إضاءات انتقد أداء الخويطر في وزارة المعارف، فغضب بعض محبيه وأقاربه واتصلوا بي، فقلت لهم: أنا مستعد لاستضافة الدكتور في البرنامج ليتحدث بما يراه. فرح الوسطاء، وعادوا إليه بما ظنوه بشارة، ولكنهم نسوا أنهم يتعاملون مع بئر من الأسرار، ومنهج من عدم الظهور، فما كان منه إلا أن ابتسم بهدوء واعتذر. وها هو يرحل الآن ومعه أسرار لا حصر لها من تفاصيل إدارة الدولة، خلال ما يزيد على نصف قرن، فرحمه الله رحمة واسعة.