النسخة: الورقية - دولي من سوء حظ رئيس الوزراء (التركي) رجب طيب أردوغان، عدم مقارعة معارضة قوية ونبيهة حكومتَه، ولو حسِب هو خلاف ذلك! ولو كان في وسع المعارضة إقناع الناخب والشارع التركيين بأنها قادرة على تقديم خدمات أفضل من أردوغان لما بقي الرجل في الحكم كل هذه المدة الطويلة. وإثر نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة، لم يلُحْ في الأفق احتمال خروجه من الحكم، في القريب العاجل على الأقل. لذلك، سينزل الوقت حكمه القاسي فيه قبل أن يغادر السلطة. ولو كان الحظ حليفه لما بقي في الحكم ليرى نتائج سياساته الخاطئة ترتد في وجهه، ولكان ترك الحكم قبل أن يجد نفسه في مواجهة تبعات أخطائه. عدوه اللدود هو الوقت، وهذا قوة لا سبيل إلى قهرها. قد تضطر المعارضة إلى قبول سياسات الحكومة الطالحة، لكن الوقت كفيل بكشف هذه الأخطاء «الأردوغانية» والنفخ في تبعاتها وارتداداتها والتمهيد لانهيار حكمه. هي مسألة وقت فحسب، وثمة أمثلة كثيرة توضح ما أسوقه، فكارثة منجم سوما التي راح ضحيتها أكثر من 300 عامل نجمت عن سياسات أردوغان الاقتصادية الاستهلاكية والاستنزافية التي طالما انتقدناها. فهو مال إلى تسريع وتيرة الخصخصة وإطلاق يد المستثمرين في إهمال أرواح العمال مقابل الحصول على أعلى أسعار للمناجم المعروضة للبيع. ولم تجدِ صيحات المعارضة في وقف سياسة أردوغان، لكنه بقي في الحكم ليرى بنفسه نتائج سياساته الطالحة. وتحالفه مع جماعة رجل الدين فتح الله غولن من أجل التخلص من الخصوم في الجيش لم يكن ليدوم، وانتقدته المعارضة طوال سنوات. لكن الوقت وحده هو الذي جعل أردوغان يذوق طعم نتيجة هذا التحالف غير المتجانس، فانفجرت قضية الفساد الأخيرة في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، وشوهت سمعة أردوغان وعائلته والمقربين منه، وأحدثت زلزالاً صامتاً داخل حزبه، وجعلت أردوغان اليوم الرجل الأكثر انفعالاً والأسهل استفزازاً في تركيا. سياساته القائمة على مبدأ «فرّق تسد» ماثلة في تصريحاته النارية ضد العلويين والشيعة، وضد المعارضة، وفي دعم القوى الأمنية والتيارات السنّية وجماعاتها. ومن سياساته «الطالحة»، تلك التي انتهجها إزاء سورية ومصر. وظهرت ارتدادات أحلامه الساذجة في انفجاري أنطاكية العام الماضي، وفي انتفاض الشارع الصيف الماضي في حديقة غازي، وبعدها في كر سبحة التظاهرات. وصار الشارع سريع الاستفزاز، وأصبحت التظاهرات وقتل المتظاهرين أموراً شبه عادية! ولم يكن قراره في 2007 تغيير نظام انتخاب الرئيس لتفادي الأزمـــة مع الجيـــش حول انتخاب عبدالله غل في محله، ولم يحتسب مترتبات انتخاب الرئيس المقبل انتخاباً مباشراً من الشعب وليس البرلمان من دون تغيير صلاحيات هذا الرئيس المنتـــخب بـــدعم شعبي قـــوي. فهذا القرار سيؤدي إلى كارثة سنرى آثارها قريباً، ويفاقم تنازع الصلاحيات بين الرئيس والحكومة. في الأسبوع الماضي نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» مقالاً عن اسطنبول أشار إلى أن عدد الشقق السكنية الجديدة المعروضة للبيع قارب نحو مليون ونصف مليون وحدة. وهذا نتيجة سياسات أردوغان الربحية القائمة على استنزاف الأراضي في المدينة من أجل الربح السريع. وقد تنجم عن سياسات الطمع هذه فقاعة عقارية تهدد الاقتصاد التركي كله مع تباطؤ دوران عجلته وتراجع الاستثمارات الأجنبية. وأختم المقال بمثل لاتيني فأقول:» كلها جروح لكن آخرها يقتُل!». * كاتب، عن «مللييت» التركية، 27/5/2014، إعداد يوسف الشريف