يحدث أن أكون في بعض الأحيان شاهدة على نهاية علاقات إنسانية جميلة بسبب صراع أفرادها لفرض سيطرتهم الكاملة على بعضهم البعض! وتكمن المشكلة أحياناً في أن مفهوم السيطرة ذاته يختلف من فرد إلى آخر. فما تراه مثلا تبرما أو عتبا يعبر عن محبة عميقة تحملها في قلبك، قد يبدو لغيرك - مع الأسف - محاولة لتقييد حريته أو تغييره أو حتى إزعاجه! وبغض النظر عن حجم الحزن الذي يصيب قلبك حين توصف انفعالاتك بالدرامية تعبيراً عن المبالغة والتهويل، يبقى الأمر مؤشراً إيجابياً لحاجتك الملحة لانتزاع ذاتك والتراجع قليلا لتقييم تلك العلاقة واتخاذ قرار جدي بالاستمرار وإصلاح ما يمكن إصلاحه، أو إنهائها والحفاظ على ما تبقى من ودّ! لكن المأزق الذي قد تجد نفسك فيه، أن بعض العلاقات مصيرية ولا تملك خيار إنهائها! هنا، لا حل سوى القليل من الدبلوماسية! تماماً كما فعل إياد مع والدته! فقد أعجب هذا الشاب البسيط الذي يعمل ممرضاً في إحدى المستشفيات الحكومية بطبيبة أطفال تدعى سحر جمعته بها غرفة العمليات، وخلال أقل من أربعة أشهر أصبح مأخوذاً بروحها النقية وثقافتها الساحرة وتعاملها الرزين مع المرضى، إضافة إلى سمعتها كأفضل طبيبة أطفال في المنطقة. في المقابل كانت والدته تمارس ضغطاً عليه بتلميحاتها المتكررة بضرورة زواجه بعد أن أتم الثلاثين، رغم معرفتها أنه مقتنع بفكرة بناء حياته خطوة بخطوة، ولا يودّ التسرع في اتخاذ قرار كهذا وهو لا يملك المال الكافي لإقامة حفل زواج أو لشراء منزل! إلا أن كل ذلك تغير حين التقى بسحر. ورغم أنه سأل عن تلك الطبيبة وجمع المعلومات الكافية التي تؤهلها لتكون نصفه الآخر، إلا أنه أغفل سؤالين شهيرين كانا الأهم بالنسبة لوالدته التي فرحت بأن ابنها فكر بالزواج أخيراً! لكن إياد كان أذكى من أن يقع في فخّ الخلاف مع والدته، لذا لم يجبها على تساؤلاتها، بل طلب منها أولا لقاء فتاة أحلامه دون علمها. فذهبت إلى المستشفى بحجة الكشف على حفيدها الذي لم يكمل عامه الثاني، والتقت بسحر! الظريف أنها أعجبت بالفتاة لدرجة أنستها أن تسألها السؤالين الشهيرين: «كم عمرك» و«وش ترجعين»! وعوضا عن ذلك طلبت عنوان منزلهم ورقم والدتها للتحدث إليها مباشرة. إلى هنا وانتهت قصتي التي جمعت الطبيبة سحر بإياد الممرض الذي يصغرها بخمسة أعوام! أخيراً وعلى الصعيد الشخصي، أتمنى أن يأتي اليوم الذي تسأل فيه الفتاة ويسأل فيه الشاب: روحك، كم عمرها؟.