دخل عليها معتزلها فألفاها تمارس طقوسها... تغمس يديها في النار.. تغمسهما في الدم، وقف مشدوهاً حتى إذا ما انتهت قال لها: - انظري يا خالة... هذا الضباب المحيط كلما حاولت أن أرى من خلاله فشلت.. لم أعد أبصر ما أمامي بسببه. قالت له: أين؟ إني لا أراه.. كل ما حولي مكشوفة رموزه... أقرأه بسهولة. همّ أن يتكلم مقاطعاً لها.. قالت: لا تقاطعني.. دعني أسرد عليك رؤيتي المحجوبة عنك. قال متعجباً: المحجوبة عني؟! قذفت بوحها أمامها ثم قالت: انظر ها هو بوحي المنثور أمامك يريك كل شيء جلياً. قال وهو ينظر حوله كمن يبحث عن شيء - أين؟ إني لا أرى شيئاً سوى الضباب قالت: إني أرى ما لا تراه وأنت لا ترى ما أراه قال: لماذا؟ قالت: يا بني.. لن ترى ما أراه وأنت هكذا ترى بعيون غير عينيك وتسمع بآذان غير أذنيك وتنطق بألسنة كثيرة.. لن تصل إلى مقام الكشف حتى تنسلخ من رؤوس الآخرين طيراً. قذفت بوحها مرة أخرى وقالت: انظر هذا درب لا يطرقه إلا من تنقّى اغمس نفسك في شلالات التسامي تقرأ ما جهلت... يتجلّى لديك ما خفي عنك. قذفت بوحها ثالثة وقالت: - انظر هذا درب إن سرت فيه أودى بك إلى اخضرار أبي يسري فيك فينحسر اليبس من خلاياك. كان يستمع إليها مندهشاً وفي عينيه يجول التوق رأت الحيرة في عينيه فحرّكت بوحها ثم بعثرته وقالت: - وهذا درب إن سلكته يتعتّق دمك فتسقه الناس مبتهجاً بنشوتهم . نظرت إليه بعمق ثم قالت مواصلة بوحها: يا بني لتدخل رؤيتي اخرج منهم إليك وإلا ستظلّ أعمى يرى ولا يرى... حياً يدري ولا يدري اخرج من دونيتك.. اخلع جلباب شهواتك تتفتق بصيرتك فترَى الحقيقة ناطقة.. تسمعها فتعي ما تقوله. قبضت البوح ثم أطلقته بحركة سريعة وقالت: يا بني أمامك طرق يقف على نواصيها أقوام يهمسون لك احذرهم... لا تسمع مسارّة من أحدهم... كلّ ما يقولونه ضرب من الدّهوَرة.. سيمطرون الكلمات/ الشهد عليك... سيصرخون فيك حتى تنزوي تحت مظلاتهم... دعهم... ستتلاشى أصواتهم إن لم يجدوا سمعك طيّعاً... سيطاردونك في كل مكان... اصمد... لا تتخاذل إن رأيت الآخرين حولك يتساقطون... يأكلون من دوانيها، يقطفون جنى الثمار السهلة .. لا تجرع اليأس كلماتك إن رأيت غيرك في مدارج تشتهيها النفس... قاوم نبض الرغبة فيك... يا بني ستجد الفتنة في كل مكان حتى في أقرب الناس إليك... لا تنزعج ولا تغمض عينيك... انظر حولك وانزع أشواك السقوط من جسدك ..احتسِ دم الصبّار في أرضك.. اقطع عليهم وسوساتهم بيقين عشقك.. حينها تشاركني الرؤية..لا تستعجل نقاءك... كل من سبقوك مرّوا بنفس هذه الحالة لم يصلوا إلى مقام الإدراك إلا بعد مجاهدة... لكنّهم صبروا حتى انعتقوا من رقّ التراب.. وخرجوا إلى شفافية الماء... انظر ملياً ألا ترى كل هذا؟ تركته يتأمل قليلاً.. جالت ببصرها متفرّسة في بياض وجهه ثم ّصرّت بوحها ومدّت يدها إليه قالت مودّعة: - تدبّر يابني ... تدبّر. ثقافةآفاق