تحديد ملامح الأمم ومستقبلها ونهضة مجتمعها وفعالية وجودة أدائها لن يأتي إلا من خلال بوابة التعليم، فهو المسار الأول في رسم خارطة التنمية في أي وطن. وهذا يظهر مرارا وتكرارا من خلال إيمان الدولة الراسخ وقناعتها الثابتة بأهمية التعليم في حياة الفرد وبناء الإنسان، فتقديم الدعم السخي ورصد المبالغ المالية الضخمة في سبيل تطوير التعليم يعد دليلا واضحا وشاهدا على نية القيادة رعاها الله الصادقة على إحداث النقلة النوعية كما وكيفا. ولا شك أن موافقة الملك أيده الله في الأسبوع الماضي على برنامج العمل التنفيذي لدعم تحقيق أهداف مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير التعليم العام في المملكة بتكلفة تزيد على 80 مليار ريال ولمدة خمس سنوات لهو دلالة واضحة على ما يشهده التعليم من دعم واهتمام في ظل عطاء القائد اللامحدود الذي يخدم أعمال التحديث المتواصلة لتعليمنا، وليقينه ــ أيده الله ــ أن التنمية الحقيقية والاستثمار الأمثل هو في الإنسان، والرقي بمكتسباته المعرفية. كما لا أشك مطلقا بخطة وزارة التربية والتعليم في تطوير التعليم وبنيتها الصادقة على تحقيق رؤية الملك في ذلك فعلى رأسها شاعر مرهف الحس وتنموي يلهث ويعشق التطوير ومعه نوابه وقيادة التعليم سيترجمون الرؤية والحلم إلى حقيقة نباهي بها الأمم. ولعلي ألفت الانتباه إلى أن العملية لم تعد في الدعم ولا في الخطط، بل أن المعضلة ستصبح في بعض الأفراد المنفذين لهذه الخطط، فعدم كفاءة البعض أو تقاعسهم في القيام بدورهم البناء في إنجاح التعليم، فالتطوير بحاجة إلى تضافر الجهود وتكاتف الجميع مسؤولين ومعلمين ومشرفين وممارسين وإعلاميين وطلابا مشاركين وأوليا أمور من خلال حرصهم على التعليم، ولا يمكن الارتقاء بالعملية التعليمية دون أن يقوم كل طرف بدوره على أكمل وجه. لا تزال هناك جوانب ذات أهمية كبيرة تحتاج إلى التفاتة عميقة ونقلة نوعية وجهد مضنٍ، فإشكاليات التعليم عديدة ومتداخلة وليس عيبا الاعتراف بالقصور إنما العيب الإصرار والمكابرة والادعاء غير المبرر حتى نستطيع تجاوز مشكلاتنا من دون أن نلوي عنق الحقيقة ونعالجها بعلمية وواقعية؛ لنتمكن من الارتقاء بتعليمنا والدفع به إلى الأمام. ذكرت سابقا بأن تطوير التعليم لا يمكن له أن يكون إلا بصلاح ثلاث ركائز أساسية يمكن تسميتها بمثلث التعليم الناجح (المعلم، البيئة التعليمية، المناهج الدراسية)، فهي التي تشمل أبعاد العملية التعليمية وأركانها الرئيسية.. واليوم أضيف أن التطوير مربع له أربعة أركان الركن الأول القيادة ودعمها وهذا تحقق بالدعم السخي المعنوي والمادي، كما أن الأمير خالد الفيصل وفريقه سيدعمون التطوير وهذا من أهم الأركان. والثلاثة الباقية النهمة هي (المعلم، البيئة التعليمية، المناهج الدراسية (فلابد من تأهيل المعلمين والمعلمات باعتبارهم حجر الزاوية وإخضاعهم لدورات تدريبية تساهم في رفع أدائهم وإكسابهم الكفايات التدريسية العالية والمهارات التي تؤهلهم لهذه الرسالة حتى يكون المعلم نبراسا وعنوانا لهذه المهمة ولهذه الأمانة. وذلك من خلال وضع برامج تأهيل مدروسة تلبي احتياجات المعلمين المهنية والعلمية ومحاكاة الخبرات التعليمية العالمية.. ومن رؤيتي فرخصة مزاولة التعليم مطلب أساسي يضمن كفاءة المعلم واستمرارية تطويره نتمنى أن نراها على أرض الواقع. كما ينبغي التفكير جديا بتوفير البيئة الدراسية الملائمة والإمكانات الفنية والتقنية كالمباني والمكتبات والمعامل والصالات والتجهيزات التقنية، بالإضافة إلى تطوير المناهج الدراسية وجعلها تساير الركب العالمي في محتواها المعرفي مع ما يدرس في أغلب البلدان المتقدمة وبما يتلاءم مع روح العصر الحديث وقد شاهدت ذلك وهو أول الغيث في منهج الرياضيات والعلوم. خلاصة القول: إن التعليم بقيادة المطور صاحب الفكر والقرار سيسهم في إنجاح تنفيذ العملية التطويرية للتعليم فنجاحها في نظري عبارة عن منظومة متكاملة تتكون من القيادة والمنفذ والمعلم والمدرسة والمنهج والطالب نفسه والأسرة، وأي إهمال لأيٍ من عناصر هذه المنظومة سوف يؤدي بلا شك إلى خلل في العملية التعليمية مما يفوت الفرصة من الاستفادة من الإنفاق الحكومي السخي؛ لإيجاد تعليم يتوافق مع التحولات والتطورات التي نعيشها، وبما يحقق معايير الجودة وإحداث نقلة نوعية في التعليم بمراحله ومخرجاته. وكلنا أمل في ذات الوقت أن يسهم هذا البرنامج في إحداث نقلة نوعية تطور من أنظمة التعليم الحالية، بحيث يتم اتخاذ قرارات صائبة، مبنية على دراسات صحيحة، والاستفادة من تجارب وخبرات بعض الدول، مع الأخذ بأفضل الممارسات في مجال تطوير الأنظمة التعليمية، وتقديم حلول تطويرية تسهم بفعالية في حل المشكلات التي تعاني منها العملية التعليمية.. ودمتم سالمين.