لا يبدو مسرح الأحداث في نادي الهلال مرشحا للهدوء على المدى القريب مهما كان قرار الإدارة المنتظر اليوم حول مستقبل مقعد المدرب في النادي العاصمي الكبير. ورغم ثقتي الكبيرة في ذكاء الأمير عبد الرحمن بن مساعد رئيس النادي وقدراته الواضحة في التحليل والاستنتاج، إلا أن مجلس إدارته في ورطة حقيقية، أوقعته بين سندان أعضاء الشرف ومطرقة بعض الجماهير العاطفية الغاضبة. أيا كان قرار الرئيس، فإنه سيجد معارضين وموافقين، وسيخرج له مع توالي الأحداث المستقبلية من يقول له: قلنا لك بس ما سمعت، وهي عبارة لا جدال بأن ألسنة أحد الفريقين ستصدرها للمشهد مع أي حدث قادم يدعم توجهاتهم الماضية، ولا غرابة أيضا في تحول البعض من أقصى الشمال إلى اليمين مستقبلا، تبعا للأحداث اللاحقة وربطا بتغير المواقع ومسافات القرب والبعد من أطراف القضية. .. قبيل مونديال فرنسا 1998، أعلن العجوز البرازيلي ماريو زاجالو مدرب فريق السامبا آنذاك عن استبعاد روماريو من قائمته التي ستدافع عن اللقب، وتناقلت وكالات الأنباء صور المهاجم الفلتة ودموعه تتسابق على وجنتيه، ولم يترك منصة إعلامية لم يطلق منها سهما على زاجالو الذي حقق اللقب المونديالي من كل المواقع لاعبا ومستشارا ومدربا. كان رد زاجالو الوحيد: أتفهم دموعه وحرقته على اللعب في المونديال، ولكنه لا يستطيع مع وجود هذه القائمة. لم توقف كلمات زاجالو سيل الانتقادات الجماهيرية، بل زادت المحبين غضبا، ومضوا في مقارنات بين مهاجمي ماريو ومعشوقهم، وتناقلت وسائل الإعلام رسوما كارتونية ساخرة للقصة برمتها، وانقسم محبو الرجلين إلى قسمين يشحذ كل منهما طاقاته في الدفاع عن رجله. وبُعيد خسارة زاجالو ومنتخبه اللقب، نشرت الصحف الداعمة لقراره صورة لروماريو ملقى أمام باب دورات مياه في ناد ليلي. بعد أربعة أعوام، والبرازيل تغادر ريودي جانييرو إلى المونديال الآسيوي، لم يكن روماريو واضحا في المشهد أو حتى مطلوبا في مرافقة البعثة، لكن ماريو زاجالو خرج في تصريح لقي الاستغراب قال فيه: لقد أخطأ سكولاري -مدرب المنتحب عندئذ- في عدم استدعائه روماريو، إنه في حالة فنية جيدة وتجاوزه في الخيارات خطأ فادح ربما يكلف الفريق كثيرا. هل مارس العجوز البرازيلي تناقضا؟ للوهلة الأولى نعم، ويمكن تفهمها بتبدل المواقع. عندما استبعد روماريو في 1998، كان زاجالو يبحث عن مصلحة زاجالو المدرب، وعندما طالب به في 2002 كان يبحث أيضا عن مصلحة زاجالو الرياضي الشهير في تاريخ كرة القدم البرازيلية، وما بين الموقعين كثير من الفروق والاختلافات. .. مهما استغرق عبد الرحمن بن مساعد من الوقت قبل اتخاذ قراره، سيبقى في نفسه شيء من حتى، ولن يرضى الجميع، ولن يجد القرار الكامل، ولو غادر مقعد الرئاسة في الهلال الليلة ربما رأى ما لا يراه حين كان يجلس عليه، وكل منا، سبق وأن أوقعته الأيام والأحداث في موقف مشابه لما يحدث الآن لرئيس الهلال، كل منا كان يوما ما بين قرارين، كل واحد منهما له سلبياته وإيجابياته، ما يخلق نوعا من الحيرة ويعطل اختيار أحدهما، ولكن لا بد من قرار فماذا تفعل؟ وكيف تضمن النتائج المستقبلية؟ .. إطلاقا لا يمكن ضمان النتائج المستقبلية مهما تحريت الدقة في قراراتك، ولذلك فالخطوة السليمة هي اتخاذ القرار الذي تظنه صحيحا حاليا حتى ولو جاءت النتائج المستقبلية عكسية، على الأقل ستشعر بالرضا الذاتي، في أي مراجعة ذاتية قادمة. مقالة للكاتب بتال القوس عن جريدة الاقتصادية