«ما شاء الله سكسي وهوت». «مظهرك هذا لا يمثل اليمن ولا الإسلام ولا المرأة الطاهرة». «أنتظرك غداً الساعة 7 مساءً نتعشى ونشرب ونرتاح وأكمل لك معاملة توظيفك». تلك نماذج لمضايقات يرصدها نص لليمنية هند النصيري (23 سنة) في عنوان «معاناة حرة في اليمن». يقدم النص الذي فاز في مسابقة لمناهضة العنف ضد المرأة نظمها مركز القاهرة للتنمية وحقوق الإنسان، صورة حية لمضايقات يومية تواجهها الفتاة المتحررة في الشارع والجامعة والعمل ومواقع التواصل الاجتماعي. وفي مجتمع محافظ مثل اليمن، تبدو الفتاة المتحررة هدفاً لثقافة العيب وهي ثقافة جامعة تشمل غالبية أفراد المجتمع تقريباً لكن المرأة أكثر من يعاني منها. فالمتدين يرى فيها عورة سافرة ينبغي زجرها وغير المتدين يعتبرها شهوة سائغة، وثمة نساء يعتبرن عدم تحجب الفتاة انحطاطاً أخلاقياً. والحق أن «المتحررة» التي يقدمها نص النصيري ليست تلك التي قد يدل عليها المعنى التام للتحرر، بل هي فتاة لا تغطي رأسها ولا تلبس البالطو أو «العباية» السوداء ولا تبدو متوائمة مع التقاليد. إنها نموذج يحاول أن يمسك ببدهيات حرية المرأة، ومع ذلك يواجه بصعوبات أسرية ومجتمعية كثيرة. وانتشر التحرش في الشارع اليمني «في شكل مخيف» وفق ما تؤكد فريدة علي (26 عاماً)، وتقول: «إذا كانت المرأة المنقبة تواجه بشتائم تسمم البدن، فما بالك بغير المحجبة... ينظرون إليها كأنهم يشاهدون فيلماً إباحياً». وتضطر بعض الممثلات والعاملات في مجال الإعلان وفرق الرقص الشعبي إلى ارتداء الشرشف أو البالطو تجنباً لمضايقات الشارع، بيد أن ثمة فتيات يثبتن قدرة لافتة في التمرد وكسر القوقعة التي يحاول المجتمع وضعهن داخلها. وخلافاً لهند النصيري التي تنتمي إلى أسرة مثقفة ومنفتحة، ساعدتها على تلمس حريتها، تقدم فريدة علي نموذجاً نادراً لفتاة استطاعت أن تحقق حريتها بجهد ذاتي في بيئة أسرية ومجتمعية معادية. مات والدا فريدة وهي في سن العاشرة لتتولى عائلة والدتها رعايتها، وعندما أنهت الثانوية العامة عملت في «كوفي شوب» والتحقت في الجامعة تخصص أدب إنكليزي وهو ما لم توافق عليه أسرتها «لكنني أصررت على قراري في اختيار حياتي» تقول فريدة. وتقول: «في سنة ثالثة جامعة عملت لدى فرع محلي لشركة عالمية، ومع تصاعد معارضة الأسرة قررت أن أعيش وشقيقي في منزل منفصل». وتوضح أن هذه الأمور لم تعجب الأسرة كما لم يعجبها أن «أخرج إلى الشارع من دون حجاب، أو أن أنشر صوري في مواقع التواصل الاجتماعي والجرائد فاعتبروني عاراً عليهم». وتفشى التحرش بالمرأة ليصل إلى داخل الجامعات ومؤسسات الإعلام الرسمية والأهلية. وفي نيسان (أبريل) الماضي كتبت مذيعة في تلفزيون عدن الرسمي على صفحتها على «فايسبوك» تشكو من تحرش زملاء لها في العمل. ووفق فريدة تعد بيئات المؤسسات الحكومية وشركات القطاع الخاص المحلية أكثر تحرشاً «فالبنت تسمع كلاماً لا يمكن أن تسمعه في الشارع»، أما الشركات الأجنبية والمنظمات الدولية فالمضايقات فيها أقل. وتمددت جماعات الإسلام السياسي بوجهيها السنّي والشيعي في شكل لافت، وباتت الأحزاب التي تزعم مناصرتها لحرية المرأة مجرد تابع لهذه الجماعة أو تلك، كما تتهم النخبة الثقافية بالازدواجية وعدم التمثل الحقيقي لثقافة المساواة بين الجنسين. وتقول فريدة :«الجميع ينادي بحرية المرأة لكنهم يستثنون منها أهلهم ويعتبرون أسرهم خطاً أحمر»، مشددة على ضرورة أن يستوعب الجميع أن ثمة يمنيات مختلفات عليهم التعايش معهن. ويقول باحثون إن القوانين وحدها لا تؤسس لحرية ما لم تترافق مع تحول ثقافي لدى النساء أنفسهن، وقدرة على إثبات وجودهن. وترى أستاذة الفلسفة في جامعة صنعاء الدكتورة فوزية شمسان وجود تأثير كبير للقدرات الذهنية في إحساس الفتاة بحريتها، مؤكدة أن التعليم وحده لا يعد قيمة فاعلة في تنمية الشخصية. وتشير شمسان إلى أن كثيرات من طالباتها سلبيات في ما يخص الإحساس بفرديتهن. وتذكر فريدة أن شقيقها كان مثل بقية أهلها، ومع مرور الوقت «بدأ يستوعب أنني مختلفة وصار أكثر من يساندني». وتشارك فريدة في نشاطات مدنية عامة وفي حملات رسوم غرافيتي، مشيرة إلى أن الفتاة التي تعودت على البقاء بين 4 جدران لا يمكن أن تشعر بحريتها. وتشدد شمسان على دور الاستقلال الاقتصادي للمرأة في تعزيز ثقتها بنفسها وإرادة الحرية لديها معتبرة الثقافة الإسلامية المغلوطة من أبرز العقبات التي تقف أمام تطلعات اليمنية للحرية والمساواة. لكن شمسان تعترف بوجود نماذج أنثوية نادرة قادرة على السباحة عكس التيار وتجاوز العقبات. اليمنشباب