لم يَعدُ يطرق أبوابنا كما كان يفعلُ قبلاً هو الآن يعصف بالنوافذ ويقتلع الأبواب.. باب البيت/ باب القلب/ باب النص.. وما شئت من أبواب كلها أدركتها الهشاشة ولم تعد تقوى على مقارعة هذا الزائر الكريه حزننا الذي تخلى عن الرقة بات يرفس بحذائه الغليظ الذي يشبه بساطير الغزاة أحلامنا الغافية.. ولم يعد يتقمص طبائع الضيف الأليف ولم يعدُ مكترثاً بأصول اللياقة وهو الذي كان يجلس هادئاً كقط وديع بين أقدامنا داعكاً فردته الناعمة في دفء السيقان ورهافة الآرائك. مشاغباً، وعنيداً، وحانقاً بات هذ الحزن كولد أرعن تولت تربيته الشوارع الخلفية والفضاءات المهملة! وقحاً صار حزننا.. يجلس أمام كبارنا المعتبرين واضعاً ساقا على ساق فيما ينفث بتلذذ دخان سيجارته الرخيصة في وجوههم ساخراً من بياض اللحى ووقار السن لم يعد لحزننا طاقة على الانتظار قليلاً على عتبة الباب أو مدخل النص أو في ممر الفؤاد وليس على استعداد أبداً لأن يضرب لنا موعداً قبل أن يأتي ريثما نعد له فنجاناً من القهوة الداكنة إنه بات ملحاحاً أكثر مما يجب مثل تلك الحمى الضاربة التي تتسلط على طفل صغير مثل وردة الغناء، أو مثل ذبابة عنيدة تشاكس وجهاً ملطخاً بالمرايا الرثة.. حزننا لص كبير، بنعال من ريح يبتهج كثيراً ويملأ الأفق بالقهقهات كما يشعل الشموع في خرائبه العريضة أن أدرك أنه حقق نجاحاً باهراً في مصادرة مباهجنا القليلة أو مسراتنا النادرة..