تابعت المناورة الكبرى التي أقامتها قواتنا المسلحة مؤخراً تحت اسم "سيف عبدالله". كانت أكبر وأضخم مناورة عرفتها القوات السعودية المسلحة. أظهرت هذه المناورة مدى قوة المملكة العسكرية وجاهزيتها لأي طارئ. لم أفهم سبباً لهذه المناورات بهذه الضخامة إلا بعد أن سمعت تصريح سمو وزير الخارجية الذي يعلن فيه استعداد المملكة استقبال وزير الخارجية الإيراني للتباحث معه حول قضايا المنطقة. ربطت بين الحدثين الكبيرين فتبين لي أن "سيف عبدالله" كانت مناورة سلام وليست مناورة استفزاز أو استعراض قوة. عندما تريد أن تبني سلاماً حقيقياً يخدم الأطراف المتصارعة عليك أن تثبت للطرف الآخر أنك تتقدم إليه قوياً منيعاً. كي يفهم الطرف الآخر الدعوة أنها رسالة سلام حقيقية وأصيلة وليست نابعة من ضعف. لن يفوت الإيرانيون محتوى الرسالتين أو هكذا أرجو. أصبحت القضية السورية مائجة كالرمال المتحركة. تهدد سلامة المنطقة بما فيها إيران نفسها. لن ينجو منها أحد إذا لم تتظافر جهود شعوب المنطقة بأسرها. لا أحد يشك أن السياسية التي اتخذتها المملكة منذ اندلاع الأزمة السورية كانت في غاية الجدية والحزم. منذ اللحظة الأولى وقفت مع حق الشعب السوري. لكن القضية السورية تدحرجت حتى أصبحت قضية ديدان دولية اختلط فيها الشيعي بالسني والروسي بالأمريكي والسعودي بالإيراني والعراقي بالسوري. تشابكت القضية إلى درجة لا أحد يعرف أين يبدأ الرأس وأين تنتهي أطرافه. أصبحت أهداف القتال في سورية متبعثرة. كل مجموعة قدّت لها هدفاً يخصها. تراجع هدف إسقاط الحكومة القمعية إلى واحد من عدة أهداف. يكاد الجنون يكون واحداً من أهم الأهداف. اختلاف أهداف المتقاتلين في سورية لا يشبه الاختلافات التقليدية التي تحدث بين رفقاء الدرب الثوريين. لم يخبرنا التاريخ أن يتقاطر أفاقون للاشتراك في حرب لا تخصهم. في كل الثورات يكون الاختلاف حول أسلوب إسقاط النظام أو صراعات شخصية. اختلاف المقاتلين في سورية اختلاف عبثي. لا يوجد خيار لوقف تطور هذه العدمية سوى فتح باب الحوار بين المملكة وإيران. المملكة وإيران هما القوتان الكبيرتان اللتان تملكان القدرة على توجيه الصراع الأساسي في الوضع السوري. أكبر من دوري أمريكا وروسيا. اتفاق المملكة وإيران على الوضع في سورية أمر في غاية الأهمية دونه لن يحصل سلام في سورية ولن يقوى أحد أن يتنبأ بالكوارث التي يمكن أن تحل بالمنطقة.. لا أرمي من ادعائي هذا الإشارة إلى التجاذب الطائفي في المنطقة. اندلاع الطائفية في سورية نتيجة لا سبباً. الصراع الأساسي سياسي. حوله الأسد إلى صراع طائفي. الكل يعرف أن سورية هي منبع السنة الأصيلة. قيمة الشامي الثقافية والتاريخية من سنيته والسنية هي قرينة العروبة. لا مكان لإيران الفارسية أو الشيعية في دمشق. قد تستطيع إيران نشر المذهب الشيعي في أي مكان في العالم إلا الشام، فمازال أبو عبدالرحمن نشطاً في قبره الدمشقي. لن يكون من أهداف الحوار حل مشكلة الحسين مع يزيد وإنما حل المشاكل السياسية والأمنية وإعادة بناء الثقة والتعاون بين شعوب المنطقة. لن يكون الحوار سهلاً، ولن يكون قصيراً. في كل صراع يتوجب أن يصاحبه حوار مفتوح. الحوار بين الدول لا يبدأ بحل المشاكل الأساسية. من فضائله إيقاف التدهور وإشاعة روح التفاؤل عند المواطنين وإزالة سوء الفهم وتقليل حجم التباعد، وربما يفضي الحوار إلى اتفاقيات جانبية تنمي المصالح المشتركة، بهذا تتقلص روح العداء عندئذ تكون الفرصة مواتية لإنهاء سبب الصراع الأصلي، أرجو أن يلتقط الإيرانيون الرسالتين بنفس الدلالة