في الفضائيات التي تَمُتُّ إلينا وأنت تنتظر نشرات الأخبار, أو برامج تهتم بمضامينها التحليلية، أو الحوارية تباغتك قائمة ما ينتظر رمضان من النبال التي يعدونها لترشق جسده النقي, ووجهه المضيء.. رمضان يأتي بكف خضراء لتصافح فينا خفايانا التي لا يشاء المرء لها أن تُكشف ليعقمها, ليغسلها، وليطهرها، يأتي بفرص أوسع مضمارا للأرواح، والأفعال.. فإذا بهذه الفضائيات تكثف نبالها نحوه.. بكم من المسلسلات، والبرامج الترفيهية, والفنية, والغنائية, تستهدف بكثرتها أن تشغل كل ليالي رمضان، وأيامه.. فلا يجد متابعوها فرصة للتطهر، والصوم, بالتعبد للفوز والنجاة إن كان اليقين بأننا لسنا مخلدين في الدنيا..!! لماذا تبحُّ أقلامنا في كل عام ونحن نتساءل كيف يفقد رمضان مهابته.., وقداسته, وحرمته على هذا النحو مذ يجلس الصائم على طاولة الإفطار فتباغته الفضائيات ببرامج الترفيه، والضحك، تغريه للمتابعة، وتلهيه عن الصلاة، وصوم السمع، والبصر، ويتمادى الساهرون على بقية ما تقدمه فضائياتهم لترصد كل ثانية في لياليه..؟ كم من صلاة ضيعها المشغولون بما تقدمه الفضائيات, وكم من ليال رمضانية تبددت لحظاتها في متابعة المسلسلات، والبحث في قوائم ما يلهي من شخصيات فنية، ومدى تفوقها على غيرها, أو فشلها دون سواها.. وفكاهية نجحت، أو فقدت بريقها, ومسابقات تجذب حاجات الناس فتضعف من العزائم التي يفترض أن تكرس للعبادة, وتوهن الهمم عن الصوم الصوم لا الجوع، والعطش.... والدليل الشاهد على ما نقول تجدونه الآن في فواصل إعلانية، ودعائية توقِّع في عرضها لجزء من العمل المعد لرمضان بعبارة «موعدكم رمضان»، بهدف التشويق، واستنفار الرغبات.., وحجز الاهتمام..! ظلموك يا رمضان وأنت تأتي لتعينهم على التطهر من ظلمهم أنفسهم..فتجدهم قد امتد هذا الظلم منهم إلى ظلم الآخرين.. إن هذا منتهى الكرم في الإفساد لروحانيات رمضان..ولرسالة الإعلام وفق ثقافة، وقيم المجتمع.. وهو أيضا منتهى التمادي في البعد عن النبع، والمنهل العقدي السليم.., فقد تجاوزت تلك الفضائيات حدود الحرية الشخصية، وقرار الخيار الذاتي..إلى الهيمنة والتأثير العام.. إنه القرار الرسمي الذي يضع الحد، وهو الخيار الأنسب.., والأقيم..، والأقوم..! فأن تمنع وزارة الثقافة والإعلام، الفضائيات في نطاقها من أن تقدم في رمضان أي مادة تخل بوقار هذا الشهر المحرَّم من أفلام, ومسلسلات، ونحوه من برامج اللهو وإن كان مباحا .. لهو ذا الخيار .. لحفظ ما لرمضان من وقار. وجعله مفرغا لرسالته ليؤدي الصائمون فيه ما جُعل من أجله هذا الشهر .. فلا أحسب أن من يقف في عرفات يوم الحج الأكبر يلهو بما تقدمه الفضائيات, ورمضان له الحرمة ذاتها..كان يوما للحج أو شهرا للصوم.. فما رأي وزارة الثقافة والإعلام..؟ اللهم اشهد..