لندن: «الشرق الأوسط» باريس: ميشال أبو نجم في أول تعليق له على مجزرة استخدام الأسلحة الكيماوية في الغوطة الشرقية بريف دمشق، والتي وقعت الأربعاء الماضي وأسفرت عن مقتل أكثر من 1300 سوري، اعتبر الرئيس السوري بشار الأسد أن اتهام قواته باستخدام تلك الأسلحة «محض هراء»، وقال إن أي تدخل عسكري أميركي في بلاده مصيره الفشل. وأعلنت دمشق لاحقا أنها مستعدة لجميع السيناريوهات. وأيدت روسيا موقف النظام السوري وحذرت من شن أي ضربة عسكرية، إلا أن وزير الخارجية سيرغي لافروف قال أيضا إنه في حالة الحرب فإن بلاده لن تقف مع أي طرف، بمعنى أنها لن تشارك النظام في تلك الحرب إذا ما وقعت. وجاء هذا وسط تسارع الخطى الدولية نحو تشكيل تحالف دولي للرد على استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين في سوريا، بينما تحدثت تقارير بأن خيار الضربة العسكرية سيحسم في غضون الأسبوعين المقبلين، بينما ينتظر الرئيس الأميركي باراك أوباما حصوله على موافقة الكونغرس الذي تنتهي عطلته الصيفية مطلع سبتمبر (أيلول) المقبل. وحذر الأسد واشنطن في مقابلة نشرت في صحيفة «ازفستيا» الروسية أمس من أن أي تدخل عسكري أميركي في بلاده سيفشل. ونفى أن قواته استخدمت أسلحة كيماوية. وقال في المقابلة التي أجريت معه في دمشق عندما سئل عما سيحدث إذا قررت واشنطن ضرب أو غزو سوريا «الإخفاق ينتظر الولايات المتحدة مثلما حدث في كل الحروب السابقة التي شنتها ابتداء بفيتنام وحتى الوقت الراهن»، حسب ما أوردته وكالة «رويترز». وذكر أن القوات الحكومية السورية كانت قريبة من المكان الذي تقول قوات المعارضة إن قوات الأسد استخدمت فيه أسلحة كيماوية الأسبوع الماضي، وأنه لا يوجد خط واضح للجبهة هناك، وتساءل قائلا «هل تستخدم أي دولة أسلحة كيماوية أو أي أسلحة دمار شامل أخرى في مكان تتركز فيه قواتها؟.. هذا يتنافي مع المنطق». وأضاف «لهذا الاتهامات من هذا النوع سياسية تماما، وسببها الانتصارات المتتالية التي حققتها القوات الحكومية على الإرهابيين». ووصف الأسد الاتهامات باستخدام أسلحة كيماوية بأنها «محض هراء» و«غير موثقة»، وقال إن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا سعت منذ فترة طويلة إلى تبرير التدخل العسكري في سوريا. وبالتزامن مع ذلك، أكد مصدر أمني سوري لوكالة الصحافة الفرنسية أن دمشق مستعدة «للتعامل مع كل السيناريوهات»، وذلك ردا على التلويح الغربي باحتمال شن ضربة عسكرية. وقال المصدر «نحن نعتبر أن الأمر يدخل في إطار الضغوط النفسية والسياسية على سوريا بشكل عام. في كل الأحوال، سوريا جاهزة للتعامل مع كل السيناريوهات». وأضاف «نأمل في أن تكون ثمة حكمة لدى أولئك الذين يحاولون التصعيد والدفع نحو العمل العسكري»، مؤكدا أن «قناعتنا راسخة بأن المخرج من الأزمة لن يكون إلا سياسيا». واعتبر أن «أي مشاكل في أي منطقة ستكون لها انعكاساتها على كل المنطقة لأن الوضع في سوريا متشابك ومعقد ومركب». وفي وقت يقترب فيه الغرب من شبه القناعة الكاملة بمسؤولية النظام السوري عن هجوم الكيماوي، واصل وزير الخارجية الأميركي جون كيري اتصالاته الهاتفية مع قادة العالم للحشد نحو اتخاذ موقف من الأحداث في سوريا. وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية إن كيري قال لبان كي مون وويليام هيغ ولوران فابيوس وجون بيرد وسيرغي لافروف إنه «لو أراد النظام السوري أن يثبت للعالم أنه لم يستخدم أسلحة كيماوية في هذا الحادث، لكان أوقف قصفه على هذه المنطقة وسمح بوصول فوري للأمم المتحدة إليها قبل خمسة أيام». وتابع الدبلوماسي أن كيري «قال بوضوح على ضوء المعلومات التي تم تقاسمها مع شركائنا وأجهزة استخبارات أخرى إنه من شبه المؤكد أن النظام السوري استخدم سلاحا كيماويا». وغداة المكالمة الهاتفية بين كيري ولافروف أصدرت وزارة الخارجية الروسية بيانا أبدت فيه قلقها لواشنطن من احتمال رد الولايات المتحدة عسكريا على هجوم الأسلحة الكيماوية، وحثت على ضبط النفس. وأضافت الوزارة، في إشارة إلى المحادثة الهاتفية، أن موسكو حثت واشنطن أيضا على الإحجام عن السقوط فريسة «لاستفزازات». وبعد ساعات عقد لافروف مؤتمرا صحافيا قال خلاله إن الغربيين غير قادرين على تقديم أي أدلة تثبت اتهاماتهم للنظام السوري بشن الهجوم الكيماوي في ريف دمشق، وأضاف «لا يمكنهم تقديم أدلة، لكنهم يقولون إنه تم تجاوز الخط الأحمر، وإنه لم يعد بالإمكان الانتظار». واعتبر أن أي تدخل عسكري في سوريا من دون تفويض من الأمم المتحدة سيكون «انتهاكا خطيرا» للقانون الدولي. وناشد الولايات المتحدة وقوى غربية أخرى تفادي «أخطاء الماضي»، في إشارة إلى حرب العراق. إلا أن لافروف استدرك قائلا إن روسيا «لن تخوض حربا مع أحد» في حالة التدخل العسكري الغربي في سوريا، مما يعني تخليها عن الأسد. أما الصين فدعت إلى «الحذر لتفادي أي تدخل» في سوريا، وقال وزير الخارجية الصيني وانغ لي في بيان رسمي «وحده حل سياسي يمكنه تسوية الأزمة السورية». ومن المرتقب أن يبحث وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل الأزمة السورية قريبا مع نظيريه البريطاني والفرنسي، وكان وزير الدفاع الأميركي أكد سابقا أن أي تحرك بخصوص سوريا سيتقرر بالتعاون مع الشركاء الدوليين وعلى أسس شرعية. وفي غضون ذلك، قرر رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون قطع إجازته «بسبب الوضع في سوريا» على أن يعود اليوم (الثلاثاء) إلى داونينغ ستريت قبل أن يرأس اجتماعا لمجلس الأمن القومي، كما أعلن متحدث باسم الحكومة البريطانية أمس. وكان كاميرون أجرى محادثات هاتفية نهاية الأسبوع المنصرم مع عدد كبير من الرؤساء، منهم الأميركي باراك أوباما، والفرنسي فرنسوا هولاند، للاتفاق على «رد جدي» على الهجوم الكيماوي. وسيرأس غدا (الأربعاء) اجتماعا لمجلس الأمن القومي الذي استدعي خصيصا «بسبب خطورة الأحداث في سوريا»، كما أوضح المتحدث. ويتألف مجلس الأمن القومي الذي يجتمع أسبوعيا من أبرز 10 وزراء في الحكومة البريطانية، ويشارك فيه عند الضرورة كبار قادة الجيش ومسؤولي الاستخبارات. وطلب نواب من رئيس الوزراء البريطاني دعوة البرلمان إلى الاجتماع، مع العلم بأنه في إجازة حتى الثاني من سبتمبر، للحصول على موافقته على تحرك محتمل. ولم تستبعد رئاسة الحكومة البريطانية هذا الاحتمال، لكنها أشارت إلى أنها «تحتفظ بإمكانية الانتقال سريعا إلى التحرك إذا ما اقتضت الضرورة». واعتبر وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ أن قيام البلدان الغربية بتحرك في سوريا سيكون ممكنا حتى من دون موافقة مجلس الأمن الدولي «لدواع إنسانية». من ناحيته، قال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس إن ردا غربيا «سيحسم في الأيام المقبلة» على استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا، وأكد قائلا «يجب أن يكون هناك رد متناسب وعمل بتصميم وهدوء، وهذا ما سيتم تقريره خلال الأيام القليلة المقبلة». وأفادت مصادر فرنسية واسعة الاطلاع بأن الاتصالات الجارية حاليا بين البلدان التي ستشكل عماد التحالف الدولي تتركز على ثلاث نقاط رئيسة: النظر في الأساس القانوني لأي عملية عسكرية في سوريا، وتحديد أهدافها العسكرية، وأخيرا التوافق على ما يتعين أن تحققه من نتائج على المستوى السياسي. وانضمت ألمانيا، أمس، إلى الداعين إلى معاقبة المسؤولين عنه إذا ما ثبتت صحته، وأنها ستدعم المجتمع الدولي في سعيه لذلك. وقال وزير الخارجية الألماني غيدو فسترفيلي في افتتاح مؤتمر السفراء السنوي في برلين أمس «استخدام الأسلحة الكيماوية يشكل جريمة ضد الإنسانية. إذا ثبتت صحته فإن المجتمع الدولي يحتاج لاتخاذ إجراء، وألمانيا ستكون ضمن المطالبين بعواقب». وأضاف «نحن على اتصال وثيق مع الأمم المتحدة ومع حلفائنا».