فوجئ بما حل به وأصابه، فوقف مذهولا وقفة المتأمل المتفكر يستعرض شريط الماضي من أعماله، فإذا به يمر بنفس الموقف قبل فترة من الزمن، فجلس يحاسب نفسه ويلومها على ما اقترفته وعملته تجاه الآخرين، ويردد هذا بذاك تجسيدا لهذه الكلمات «كما تدين تدان». ثلاث كلمات قصيرة لكنها تحمل المعاني الكبيرة وفيها العبرة لمن أراد العبرة والعظة لمن أراد العظة ببلاغتها ومنهجيتها. يتصور الإنسان أنه حر في تصرفاته مع الآخرين، يفعل مايشاء ويتصرف كيفما يشاء يظلم هذا ويعتدي على ذاك ويسيئ بقول أو فعل لذاك بكبرياء وتغطرس واحتقار للكرامة الإنسانية، التي تفضل بها الخالق المنان وأعز بها الإنسان، ظنا منه أنه في مأمن، متغافلا ومتناسيا القانون الإلهي الطبيعي بأنه لابد وأن يأتي ذلك اليوم ليتجرع نفس الغصة ويشرب من نفس الكأس هو أو من يعيله ويعز عليه. هذه الكلمات الثلاث ليست مقتصرة على الجانب السلبي فقط بل تشمل الجانب الإيجابي، جانب الخير والإحسان إلى الآخرين قولا وعملا، فمن زرع خيرا حصد خيرا لنفسه وأهله وتفتحت له أبواب خير لم يكن يحتسبها ويتوقعها. يقول علماء التنمية البشرية ضع نفسك مكان الآخر قبل أن تتلفظ بكلمة أو تقدم على أمر فإن ارتضيته لنفسك فاقدم عليه وإلا فاجتنبه لتتفادى الإساءة إلى الآخرين بما يزعجهم. إن كان ذلك في العصر الحديث فقد رسم هذه المنهجية سيد الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وسلم) قبل أكثر من 1400عام في تربيته وتهذيبه لسلوك أمته حيث يقول «عامل الناس كما تحب أن يعاملوك» ففي ذلك درس لكسبهم ومراعاة مشاعرهم وتفادي العواقب الوخيمة غير المرضية، التي قد تحل بالفرد وانعكاساتها السلبية عليه وعلى الأسرة والمجتمع. وما أروع الدرس الذي استلهمه ذلك الشباب -وأصبح من أرقى الدروس التربوية لمن فتح الله على قلبه- حينما أتى النبي (صلى الله عليه وسلم) وقال له أتأذن لي بالزنا؟! نظر إليه وقال: ادن! ثم قال: أترضاه لأمك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك! قال: فكذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم، أتحبه لأختك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك! قال: وكذلك الناس لا يحبونه لأخواتهم، أتحبه لابنتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك! قال: وكذلك الناس لا يحبونه لبناتهم، وكذلك لعماتهم وخالاتهم). ثم بعد هذا كله مد الحبيب يده ووضعها على صدر الشاب، وقال: (اللهم اشرح صدره، واغفر ذنبه، وحصن فرجه). إنه قانون شامل لا يختص بموضوع معين بل ينطبق على كل الأمور في هذه الحياة صغيرة كانت أو كبيرة، خيرا كان أو شرا فافعل ما شئت واحصد ما تزرع في بستانك ولا تلومن إلا نفسك فكما تدين تدان.