(اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (42) سورة الزمر في العاشر من محرم سنة 61 للهجرة توفى الله الحسين بن علي، وفي الرابع عشر من ربيع الأول سنة 64 للهجرة توفى الله يزيد بن معاوية . المؤكد أن الحسين ويزيد توفيا ودفنا قبل أكثر من ألف وثلاثمائة عام وذهب كل واحد منهما بما اكتسبه من ثواب وعقاب إلى حكم الله الذي خلقهما من تراب وأعادهما إلى تراب، ثم يحييهما مرة أخرى يوم الحساب الأكبر. هذا هو الواقع في ما يخص الحياة والموت المحددين بمشيئة الله وقدره على كل المخلوقات، لكن التأثير، أو بكلام أدق الإستغلال البشري لهما ما زال يفعل أفعاله عبر كل تلك القرون. تحول الإمام الحسين بن علي عند الشيعة الفرس إلى رجل أشقر الشعر أخضر العينين فارسي الأنف، لم يبق فيه من الملامح القرشية العربية ما يذكر الحاضر بأصله وأرومته. حول الفرس يوم وفاته إلى نسخة طبق الأصل من مراسم درب الآلام المسيحية في ذكرى صلب المسيح حسب معتقداتهم، أما صورة الحسين فحولوها إلى نسخة متخيلة من بطلهم الأسطوري الزرادشتي رستم بن زال. المستغرب أن هذا التصور الجسدي للحسين بن علي، وهذا المراسم التأبينية (أحزان عاشورا) المستوحاة من مراسم أحزان درب الآلام المسيحية المتوارثة من تراث شمال إيران القديم، قد تم قبولها عند العرب الشيعة بنسختها الفارسية، على الأقل في العراق وبعض بلاد الشام. لكن ماذا عن الرجل الآخر، يزيد بن معاوية. يحتسب للمذاهب الإسلامية السنية عدم المبالغة في تخليد الأشخاص بالتخيل والتصوير والنواح، ولا تقبيحهم أيضا ً بنفس الوسائل. عند السنة دخل يزيد بن معاوية التاريخ على أنه الخليفة الثاني بعد معاوية، وأنه أباح المدينة المنورة لجنده ثلاثة أيام وضرب الكعبة بالمنجنيق وصلب الصحابي الجليل عبدالله بن الزبير، وأن التاريخ يذكر ليزيد بن معاوية مآثر كبيرة في انتشار الفتوحات الإسلامية . ما عدا ذلك يرن صمت مطبق عند السنة عن يزيد بن معاوية، على أساس أن الرجل قضى وحسابه على أفعاله عند الله. بناء على حقيقة أن الحسين بن علي ويزيد بن معاوية ما زالا معنوياً موجودين على أرض الواقع الجدلي المدمر، لا يسع العاقل سوى أن يحمد الله على نعمة التساوي في الغباء التاريخي عند الطرفين، سائلا ً الله أن ينتهي الأمر على خير. أحيانا ً يؤدي الإحباط وقلة الحيلة أمام الواقع إلى الاقتناع بحتمية النهايات الكارثية لكل الأطراف، رغم وضوح الخطأ والغباء الشامل منذ بداياتها الأولى. تحت هذا البند من الاستسلام للإحباط يأتي الاقتناع بأن التدمير المتبادل والمتواصل منذ قرون على كامل رقعة العالم الإسلامي، ماهو سوى تصحيح حتمي لا يمكن دفعه لأخطاء متراكمة تحولت إلى خناجر مسمومة سياسيا. المستقبل، كمشروع حياة، إما أن ينتهي بنقطة الصفر العدمية أي الإفناء المزدوج، وإما أن يبدأ بالاعتراف بأخطاء الماضي والتخلص من تركاتها لصالح الأجيال القادمة، أو بتحمل النتائج حتى يركع الجميع رغم أنوفهم للبؤس الشامل لأن مخزون الطاقة التدميري لم يعد كافيا ً للاستمرار. ما حدث في العراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا وأفغانستان، وبصورة أقل عنفاً في كل دولة عربية قطرية، ما هو إلا استمرار في الواقع للتعامل مع الحياة بطريقة الحسين بن علي ويزيد بن معاوية. كل شعوب الأرض لديها في تاريخها القديم حسينها ويزيدها، لكن التعامل العقلاني مع الحياة جعلها تطوي الصفحات القديمة وتبدأ كتابة تاريخ جديد. إذا، متى يتم الإيداع النهائي للحسين بن علي ويزيد بن معاوية في قبريهما ليتولاهما الله تعالى مثلما يتولى جميع خلقه؟.