أنجزت منظمة الأغدية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) خطة عمل مخصصة للبنان لتعزيز قدرات الصمود فيه للحفاظ على أمنه الغذائي، في ضوء الأزمة السورية التي أصابت تداعياتها الدول المحيطة بها وهي إلى جانب لبنان، الأردن والعراق وتركيا ومصر. وإذ تحرص المنظمة الدولية على اعتبار ما تتضمنه خطتها «مقترحات ونصائح لا تهدف إلى المس بسيادة الدولة وقراراتها»، إلا أنها تحفر عميقاً في تظهير أزمات تتوالد في الخفاء والعلن ومخاطر مستقبلية يمكن تفادي بعضها ويستعصي بعضها الآخر على المعالجة. وأخطر ما كشفته الخطة في غياب الأرقام الدقيقة في شأن أعداد المواشي التي عبرت الحدود السورية باتجاه لبنان منذ اندلاع الأزمة في سورية، وفقاً لتقديرات منظمة فاو» أن ما نسبته بين 10 و30 في المئة من إجمالي أعداد المواشي الحلوب والمجترات الصغيرة في سورية دخلت لبنان في ظل انهيار الخدمات البيطرية في سورية وغياب أي رقابة عبر الحدود. وبمعنى أبسط أن هناك نحو 250 رأساً من المواشي تدخل لبنان يومياً من دون أن تكون خضعت لتلقيح ضد الأمراض الحيوانية وتلك التي تنتقل من الحيوان إلى الإنسان. أما المنتجات الطازجة والمصنعة في سورية والتي تباع بطريقة غير نظامية في لبنان فلا تخضع بدورها إلى أي معايير متصلة بمداولة الأغذية خلال تصنيعها أو نقلها مع كل ما يتأتى عن ذلك من آثار سلبية على سلامة الأغذية وتوقفت عمليات التفتيش ورقابة جودة الأغذية وسلامتها في مراكز الحجر الصحي على الحدود. ماذا فعلت الأزمة باللبنانيين؟ والخطة التي عرضت أمس على وزارة الزراعة اللبنانية من قبل مسؤولين إقليميين في المنظمة الدولية بعدما كانت خطة مماثلة عرضت الأسبوع الماضي على الأردن، وينتظر أن تعرض خطة ثالثة الشهر المقبل على تركيا وبعدها خطة مخصصة لمصر، جاءت بناء لطلب من الحكومة اللبنانية وعلى خلفية تقويم اقتصادي واجتماعي أجراه البنك الدولي بالتعاون مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي عن الأثر الاقتصادي والاجتماعي على الاستقرار في لبنان نتيجة النزاع السوري. وأرسلت منظمة «فاو» بعثة ميدانية إلى لبنان في تشرين الثاني - كانون الأول 2013 عملت على إعداد برنامج للزراعة والأمن الغذائي يندرج في إطار خطة تحقيق الاستقرار. وتبين من خلاله أن تداعيات الأزمة السورية تجاوزت المستوى الإنساني وطاولت بسرعة الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي من خلال «دفع ما يناهز 170 ألف لبناني إلى براثن الفقر (إضافة إلى مليون لبناني يعيشون أصلاً دون خط الفقر) ومضاعفة معدل البطالة ليتجاوز نسبة 20 في المئة وتقليص عائدات الحكومة بمبلغ 1.5 بليون دولار مقابل رفع النفقات بمبلغ 1.1 بليون دولار نظراً إلى الزيادة الحادة في طلب الخدمات العامة. ومن التبعات الاقتصادية والحال الأمنية غير المستقرة على الاقتصاد الزراعي اللبناني وقدراته في مجال إنتاج الأغذية، أن المناطق الجغرافية الأكثر تأثراً هي في شمال لبنان وشرقه وبصورة أكبر في المناطق الحدودية في الهرمل وبعلبك وعكار حيث تخلى المزارعون موقتاً عن أراضيهم الزراعية لانعدام الأمن والأعمال العدائية، وانخفاض الأجور وفرص العمل في الزراعة وتزايد المنافسة من قبل النازحين السوريين. وكان المزارعون اللبنانيون يستوردون مبيداتهم وبذورهم وأعلافهم وأسمدتهم بالإضافة إلى قطع غيار الآلات والمعدات من سورية، لكن مع بدء النزاع في سورية صار من الصعب إيجاد هذه المواد في السوق، ولم يعد مجدياً تهريب المازوت من سورية لأن أسعاره ماثلت ما هي عليه في لبنان. ... وما فعلت بالنازحين؟ ويتركز معظم النازحين السوريين في المناطق الأكثر فقراً في لبنان وأكثر من 57 في المئة منهم دون الـ25 من العمر و62 في المئة منهم في سن العمل، و10 في المئة تقريباً من النازحين يملكون خبرة سابقة في مجال الزراعة، والعديد من النازحين العاملين في الزراعة في بلدهم ادخلوا معهم إلى لبنان مواشيهم، أحد الأصول القيمة القليلة لديهم. وبينت الدراسة أن نحو 70 في المئة من الأسر السورية النازحة تعاني من انعدام الأمن الغذائي و50 في المئة تعتمدن استراتيجيات لمواجهة التوافر المحدود للأغذية أو عدم توافرها (مثل الاعتماد على نحو أكبر على الأغذية الأقل ثمناً وخفض عدد الوجبات - الحصص في اليوم الواحد وإنفاق المدخرات وشراء الأغذية بالتسليف وتقليص النفقات على المواد غير الغذائية). وإذا كانت الاستجابة الفورية من الحكومة اللبنانية والأسرة الدولية لمساعدة هؤلاء فان مسؤولي الـ»فاو» يعتبرون أن ما يأكله النازحون «ليس غذاء، إنه طعام يملأ المعدة ولا يغذي»، في إشارة إلى الخبز والرز والمعكرونة بدلاً من اللحوم والخضر والفاكهة. وحذرت المنظمة الدولية من أن ظروف الجفاف مقرونة باستمرار الصراع تفاقم من الضغوط الواقعة على الأمن الغذائي المتردية أصلاً في سورية وتزيد من احتمالات الانخفاض الحاد في إنتاج القمح والشعير (أهم محصولين غذائيين في سورية). ويشير مسؤولو المنظمة إلى أنه تمت الاستعانة بالأقمار الاصطناعية لرصد ما آلت إليه المناطق الزراعية في سورية بالإضافة إلى المعلومات التي قدمتها وزارة الزراعة السورية. وأكد مساعد المدير العام للمنظمة الممثل الإقليمي عبد السلام ولد أحمد وهو موريتانى لـ»الحياة» أن وزارة الزراعة السورية «لا تزال موجودة على الأرض لكنها ليست كما كان وضعها قبل الأزمة، والنقاش يدور معها حول كل برنامج على حدة، ونتخوف من إضاعة الفرص نتيجة الحرب الدائرة خصوصاً أن الوزارة ليست وحدها من يقرر». وإذا كانت سورية لا تزال تعاني من تبعات الجفاف الذي أصابها قبل خمس سنوات، فان تراجع هطول الأمطار هذا العام «اثر على المحاصيل في المراحل الحاسمة للغرس والنمو»، ويتوقع التقرير أن «تودي الأحوال الجوية المتغيرة علاوة على استمرار الصراع إلى اتساع الفجوة بين الإنتاج المحلي والحاجات الغذائية الداخلية هذا العام ما سيفاقم من تضخم أسعار المواد الغذائية ويتمخض عنه فقدان فرص عمل واضطراب الأسواق والنشاطات التجارية». في خطة عمل الـ»فاو» عشرات الاقتراحات للمعالجة الآنية والمستقبلية، وإذا كانت أولويات الدولة اللبنانية، بحسب ما أبلغ مسؤولو المنظمة، للإيواء والصحة والتعليم وليست للزراعة، فانهم يردون بأن الخطة هي «للاستمرار في الحياة». وتحاول المنظمة استقطاب تمويل بمقدار 43.6 مليون دولار لنجدة 135 ألف أسرة زراعية لتمكينها من إنتاج الغذاء ذاتياً، بعدما قدمت بريطانيا تمويلاً بقيمة 500 مليون دولار من أجل تلقيح المواشي وتأمين الأعلاف. وتخشى المنظمة الدولية من أن «عدم كفاية الدعم للقطاع الزراعي سيفاقم حال الأمن الغذائي الهشة أصلاً ليس في سورية فحسب بل ومن الممكن أيضاً في بلدان مجاورة لها». لبنانسياسة العرب