منذ الإطاحة بجماعة "الإخوان المسلمين" من السلطة العام الماضي، وجّه الجيش المصري قدراته الاقتصادية الكبيرة لخطر آخر يتهدد استقرار مصر .. البطالة. واستخدم الجيش إمكانياته في مجال التصنيع التي تغطي منتجات كثيرة من المعكرونة إلى البرادات (الثلاجات) وأجهزة الكمبيوتر اللوحي في توفير التدريب المهني للباحثين عن عمل وذلك في شراكة جديدة مع الحكومة المدنية تم الكشف عنها في نيسان (ابريل) وسط ضجة كبيرة. وجاءت هذه المبادرة جزءاً من حملة لمعالجة البطالة ودليلاً على الدور الاقتصادي الكبير للجيش الذي يوشك قائده السابق عبد الفتاح السيسي أن يصبح رئيساً لمصر في انتخابات الرئاسة التي تجري يومي 26 و27 ايار (مايو) الجاري. وقضية البطالة من الحساسية بحيث يمكن أن تكون مفتاح النجاح لرئاسة السيسبي أو العكس تماماً. فمن العوامل وراء انتفاضة عام 2011 التي أطاحت بحسني مبارك من رئاسة مصر، الغضب الذي يشعر به الشبان المصريون الذين لا يجدون عملاً ولا أمل لديهم في ايجاد مسكن وتكوين أسرة. وازدادت أزمة البطالة سوءا منذ ذلك الحين مع ابتعاد المستثمرين والسياح عن مصر التي يزيد عدد سكانها على 85 مليون نسمة. وقال محمود الشربيني، المدير التنفيذي لمجلس التدريب الصناعي الذي يسعى للمرة الأولى للاستفادة من امكانيات وزارة الانتاج الحربي "هذه المشكلة قنبلة موقوتة." وأضاف أنه إذا لم ينجح البرنامج "فستنفجر القنبلة في وجوه الجميع. وهم لا يريدون مواجهة ثورة أخرى خلال العام المقبل." "مسؤوليات تجاه المجتمع" ورغم أن هذا البرنامج يبدو قطرة في المحيط إذ أنه يهدف لتدريب 100 ألف شاب على مهارات يحتاجها القطاع الصناعي فهي تظهر استعداد الجيش لدعم الحكومة وتطور دوره في تشكيل السياسات الداخلية. ويجري تدريب المستفيدين من الشبان والشابات ضمن برنامج التدريب في مجمع يخضع لحراسة مشددة تديره وزارة الانتاج الحربي على مشارف القاهرة. ويرتدي المتدربون معاطف زرقاء ويشمل البرنامج التدريب على الأعمال الميكانيكية وتشغيل الالات الصناعية أو تصنيع لوحات الدوائر الالكترونية. ووصف اللواء ابراهيم يونس، وزير الدولة للانتاج الحربي في جولة مع الصحافيين خلال زيارة في نيسان (ابريل) المشروع بانه يمثل جزءاً من "مسؤوليات الوزارة تجاه المجتمع". والوزارة مسؤولة عن قطاع من الاقتصاد يخضع لسيطرة القوات المسلحة ويصفه منتقدوه بأنه دولة داخل الدولة. ويقدر بعض المحللين أن هذه الامبراطورية المالية قد تصل إلى 40 في المئة من الاقتصاد. لكن السيسي قال لـ"رويترز" في مقابلة الاسبوع الماضي أن حجمها لا يزيد على اثنين في المئة. أموال الخليج ومنذ أطاح السيسي بالرئيس الإخواني محمد مرسي في تموز (يوليو) الماضي في أعقاب احتجاجات شعبية واسعة على حكمه أصبح الدور الاقتصادي للجيش أكثر وضوحا. فقد أصبحت القوات المسلحة على سبيل المثال قناة لتوجيه بعض من بلايين الدولارات التي تدفقت على مصر كمساعدات من دول خليجية. وقال الشربيني إن وزارة الانتاج الحربي لم توافق من قبل قط على فتح منشاتها لبرنامج تدريب يديره القطاع المدني. لكن الوزارة لا تقدم هذه الخدمة مجانا إذ تتولى الامارات العربية المتحدة تمويل البرنامج بجزء من بلايين الدولارات التي أرسلتها كمساعدات مصر كما أن السلطات المدنية تدفع لوزارة الانتاج الحربي مقابل خدماتها. وقال أوليفر كولمان، كبير المحللين في "مابلكروفت" لأبحاث المخاطر إن المشروع "يعزز صورة القوات المسلحة كحراس لمصر لا بالمعني السياسي والأمني فحسب بل من حيث البعد الاجتماعي والاقتصادي. المؤسسة الوحيدة القادرة على معالجة مشاكل مصر المتعددة." وأضاف "الجيش قد يكون له نفوذ اقتصادي لتحسين تشغيل الشباب في بعض القطاعات وخصوصا التصنيع. لكن الأثر سيكون في غاية التواضع من حيث الاقتصاد عموما." وتشير البيانات الرسمية إلى أن معدل البطالة يزيد على 13 في المئة من قوة العمل المصرية بالمقارنة مع 8.9 في المئة قبيل انتفاضة عام 2011. ويحجب هذا الرقم مشكلة أكبر تتمثل في عدم استغلال كل امكانيات العاملين في اقتصاد يقوم على أجور منخفضة. ونادرا ما تشرح الأرقام الرسمية الوضع في بلد تمثل فيه الأنشطة غير المسجلة نسبة كبيرة. شرارة ثورة؟ اعتبر السيسي البطالة من القضايا ذات الأولوية لكنه لم يذكر تفاصيل عن الكيفية التي سيتصدى بها لهذه المشكلة. وينظر إليه بعض الشبان المصريون بارتياب إذ يرون فيه عودة لنظام الحكم الذي يدعمه الجيش والذي ثار عليه الشعب في 2011. وقال عبد الرحمن (20 عاما) وهو يجلس عابسا بأحد المقاهي في القاهرة "الآن سيحكم عسكر آخر"، مشيرا إلى التوقعات بفوز السيسي في الانتخابات. وأضاف "إذا ارتكب خطأ واحداً وهو رئيس، الشعب كله سيثور عليه." ومثل كثيرين من الشبان، يقضي عبد الرحمن وقته في المقاهي إذ أنه لا يعمل. وجد وظيفة في محل للملابس بمرتب 800 جنيه (110 دولارات) في الشهر لكنه فصل منها لأنه أخطأ في طي قميص. وأضاف "طبعا أنا زعلان." ويهدف برنامج التدريب الحكومي الجديد إلى معالجة خلل في الاستفادة من المهارات المختلفة يرجع في جانب منه إلى سياسة الدولة التي قامت منذ عشرات السنين على دعم التعليم الجامعي مما أدى إلى وجود فائض كبير من المحاسبين والمهندسين ينتهي بهم الحال في كثير من الأحيان للعمل كسائقي سيارات أجرة. وقال مسؤول بمجلس التدريب الصناعي التابع لوزارة الصناعة إن المجلس نظم معرضا للتوظيف هذا العام عرض فيه 20 ألف وظيفة بالقطاع الصناعي لم يتقدم لها سوى 7000 شخص. ويعتقد البعض أن من الممكن استخدام وزارة الانتاج الحربي بصورة أوسع للمساعدة في علاج الخلل. وقال سامح سيف اليزل الذي يرأس مركز الجمهورية للدراسات الاستراتيجية "من المعروف أن أفضل اللحامين في مصر خرجوا من هذه المراكز" التابعة للانتاج الحربي. وأضاف سيف اليزل الذي يقول إنه على اتصال بالسيسي "الانتاج الحربي جزء من الحل الشامل." وربما يكون من الصعب تغيير المسار لكثير من الشباب إذ أن خمس الخريجين لا يعملون. ويرفض كثير من الشبان أداء الأعمال اليدوية مثل الأعمال التي يجري التدريب عليها في مراكز الانتاج الحربي على أمل العثور على وظيفة تتفق مع دراستهم. ومن هؤلاء طالب الهندسة محمد عبد القادر (22 عاماً) الذي يقول "ما ينفعش. درست خمس سنين وبعد كده اشتغل حاجة تانية؟ لازم ألاقي شغل مناسب". البطالةمصرمصر اقتصادعبد الفتاح السيسيالجيش المصريالبطالة في مصر