×
محافظة المنطقة الشرقية

مستشفى دلة يستضيف حملة «سكري.. صديقي»

صورة الخبر

أعتقد أن هذه الانتخابات هي ضد جوهر العملية الديمقراطية، لأن هذه العملية منظومة متكاملة وأطر مؤسسية قائمة على مبدأ الديمقراطية. أما ما يجري فهو يتم مع غياب تام لهذه المنظومة، وتحكم الأجهزة الأيدلوجية والأمنية للدولة بمصائر ومسارات هذه العملية.. لذلك نجد أن هذه الانتخابات لا تغير معادلة سياسية أو اجتماعية داخلية شهدت بعض الدول العربية انتخابات برلمانية ورئاسية كما ستشهد بعض البلدان الأخرى انتخابات رئاسية في الفترة القادمة.. وموسم الانتخابات كما يعرف الجميع، هو موسم التعريف بالذات السياسية والاجتماعية، لحشد تأييد الجمهور وتعزيز فرص هذا المرشح أو ذاك للفوز بالمقعد النيابي أو بموقع رئاسة الدولة.. وتتحول وسائل الإعلام المحلية المختلفة في مواسم الانتخابات إلى منبر للدعاية والإعلام، وتتحول شوارع المدن إلى حائط كبير تعرض فيه الملصقات والشعارات واليافطات.. وعلى كل حال ووفق المعايير الدستورية والقانونية، تعد ظاهرة الانتخابات من الظواهر الصحية، لأنها وسيلة التداول، ومنصة التجديد للنخب السياسية المختلفة.. لذلك تتسابق الفعاليات الحزبية والاجتماعية لاستثمار هذه اللحظة والعمل على إيصال شخصيات من داخل هذا التشكيل السياسي أو القاعدة الاجتماعية.. وهذا بطبيعة الحال من الحقوق الطبيعية لأي مواطن.. فمن حق أي مواطن أن يرشح نفسه ويطمح إلى تحمل مسؤولية عامة في المشهد الوطني.. كما من حق أي مواطن أن يختار من المرشحين مرشحه الخاص سواء لاعتبارات سياسية أو اجتماعية أو جهوية.. فقوانين الدول التي تجري فيها الانتخابات تعطي وتمنح أي مواطن هذا الحق سواء في الترشح أو في الاختيار.. ولكن السؤال الذي يثيره مشهد الانتخابات في هذه الدول العربية، أنها تشهد انتخابات والناس تنزل في اليوم المحدد للتصويت وتذهب إلى صناديق الاقتراع.. إلا أن هذا المشهد الكرنفالي الذي شهدته بعض الدول العربية وستشهده دول أخرى في الأسابيع القادمة يكشف وبشكل لا لبس فيه عن أنه في الدول العربية هناك مواسم انتخابات عديدة برلمانية ورئاسية، إلا أنها انتخابات بدون ديمقراطية.. أي أنها ليست جزءا من عملية ديمقراطية متكاملة.. كما أنها لا تفضي إلى تغيير في المعادلات السياسية القائمة، بل على العكس من ذلك تماما في أغلب وقائع الانتخابات التي تجري في العالم العربي، حيث إنها وسيلة لتأبيد السلطة ومصادر القوة مع بعض البهارات التي لا تضر بأصل الطبخة وجوهرها الأساسي.. لذلك فإنني أعتقد أن هذه الانتخابات هي ضد جوهر العملية الديمقراطية، لأن هذه العملية منظومة متكاملة وأطر مؤسسية قائمة على مبدأ الديمقراطية. أما ما يجري فهو يتم مع غياب تام لهذه المنظومة، وتحكم الأجهزة الأيدلوجية والأمنية للدولة بمصائر ومسارات هذه العملية.. لذلك نجد أن هذه الانتخابات لا تغير معادلة سياسية أو اجتماعية داخلية، كما أنها في نتائجها ومآلاتها لا تخرج عن الخط المرسوم والمطلوب، فموسم الانتخابات في العالم العربي، لا يعكس على وجه الدقة اتجاهات الرأي العام أو قواعد التمثيل السياسي والاجتماعي، كما أنها تستهدف أغراضا بعيدة عن النهج الديمقراطي.. لأنها لا تحدث تجديدا في النخب، ولا تمثيلا صحيحا لقوى المجتمع والوطن المختلفة.. فهي شكل من أشكال الديمقراطية إلا أنها تأتي في سياق مختلف عن السياق الديمقراطي، وتستهدف أغراضا أقرب إلى تأبيد الاستبداد والاحتكار منها إلى إعادة التمثيل السياسي وصياغة القاعدة الاجتماعية للحكم من جديد.. لذلك تكثر في مواسم هذه الانتخابات، كل الصور المستندة على العصبيات الدينية والمذهبية والقومية، وتدخل المجتمع بأسره في أتون امتحان صعب وحساس، بحيث تكون تعبيرات المجتمع كلها مخيرة بخيارين إما الاختيار على قاعدة وطنية تتجاوز كل العصبيات أو الانخراط في موسم الانتخابات على قاعدة عصبوية إما طائفية أو قبلية أو جهوية.. وتشهد انتخابات الدول العربية صعودا ملحوظا لكل العصبيات التقليدية.. والضحية الأساسية في مواسم الانتخابات العربية هي فكرة الديمقراطية ذاتها وفكرة الانتخابات والقدرة على الاختيار ذاتها.. فالذي ينتخب في هذه المواسم ليس المواطن، وإنما الطائفية أو العصبية القبلية والاجتماعية التقليدية.. وفي هكذا مناخ يتعرض النسيج الاجتماعي إلى تهديدات حقيقية قد تصل إلى مستوى الأزمة، التي تتطلب تدخلا حقيقيا لحماية الوحدة الوطنية.. وكل هذا الكلام لا يعني أننا ضد فكرة الانتخابات.. إننا ندعو إلى الانتخابات ونعتبرها بذاتها من الظواهر العامة الصحية.. وكل ما نقوله هو ضرورة أن تستفيد الشعوب العربية من هذه الآلية لبناء حياة سياسية بعيدة عن العصبيات، لكي تتحول الانتخابات إلى رافعة حقيقية على المستويين السياسي والاجتماعي.. كما أن التعامل الإيجابي مع آلية الانتخابات يؤدي إلى التقليل من نزعة التوحش في العمل السياسي في الدول العربية.. فالحقل السياسي حقل مدني، والتنافس والصراع فيه ينبغي أن يتما بوسائل مدنية – سلمية بعيدة عن نزعات التوحش والعنف.. والوصول إلى هذا الأمر لا يتم دفعة واحدة، وإنما عبر التراكم.. وهذا لا يتأتى إلا بدعم وإسناد كل ظواهر الانتخاب في العالم العربي.. ووجود عيوب عربية في هذه الممارسة، لا يمكن معالجتها إلا بالاستمرار لخلق تقاليد عربية متكاملة تعزز خيار الانتخابات في العالم العربي.. ولا ريب أن بوابة تصحيح بعض الاعوجاجات والعيوب في ظاهرة الانتخابات في العالم العربي، هي الانخراط فيها أي الانتخابات والتنافس مع الآخرين على قاعدة سياسية وطنية.. وحينما تتسع دائرة التنافس في موسم الانتخابات على قاعدة وطنية بعيدا عن النزعات الطائفية والمذهبية والقبلية، فإنها ستكون المدخل الطبيعي والفعال للمساهمة في تصويب الحياة السياسية والوطنية في العديد من البلدان العربية.. فالعصبيات الجاهزة والاصطفافات الطائفية هي التي تجوف العملية الانتخابية وتجعل من صناديق الاقتراع وسيلة للتأجيج الطائفي والاحتراب بين مختلف المكونات .. والفرصة مواتية في العالم العربي، لإخراج الممارسة الانتخابية من حقل التنافس بين أهل الانتماءات التقليدية، إلى حقل التنافس بين البرامج والمشروعات الوطنية العابرة لكل الانتماءات التاريخية والاجتماعية التقليدية..