يواجه الطفل هذه الدنيا ومناعته ضعيفة ضد الأمراض الناجمة عن الفيروسات والجراثيم، وهو يحتاج إلى بعض الوقت كي يقوى جهازه المناعي ليصبح قادراً على مواجهتها. يولد الطفل ولديه مناعة مكتسبة من أمه تكفيه لمدة ستة أشهر، لكن ما أن تنقضي هذه الفترة حتى تنهال عليه الميكروبات. من أقرانه، من أماكن الحضانة والحدائق والمدارس، من الأغذية والمشروبات غير النظيفة، وحتى من القبلات التي يطبعها الأهل على فم الطفل أو على أنفه. ويعتبر التهاب الحلق من أكثر الأمراض التي تصيب الطفل، خصوصاً في فصل البرد، فهذا الزائر الغليظ غالباً ما يترك الصغير في وضع يدعو إلى الشفقة لأنه يحرمه من لذة الطعام والشراب والنوم بسبب ألم البلعوم الذي يستيقظ عفوياً، أو مع ازدراد كل لقمة طعام، أو مع كل رشفة شراب، وحتى مع كل بلعة هواء. والتهاب الحلق قد يكون فيروسياً أو جرثومياً، ويطاول خصوصاً الأطفال في سن المدرسة، أي في عمر ست إلى ثماني سنوات. ويكون الالتهاب الفيروسي معدياً بسهولة مقارنة بالجرثومي. ويثير التهاب الحلق عدداً من العوارض التي تبدأ بسيلان الأنف، والوخز في الحلق، والوهن العام، والترييل( زيادة سيلان اللعاب) والصداع، ونقص الشهية، والتقيؤات، والحمى، والألم في البلعوم خصوصاً عند البلع، وتغير رائحة النفس والفم. ومن غير المستبعد مشاهدة تضخم اللوزات أو تضخم العقد اللمفاوية الرقبية في عدد لا بأس به من الإصابات. ويمكن أن ينتهي التهاب الحلق بعدد من الاختلاطات تشاهد في حالات الالتهاب الجرثومية، من أهمها الحمى الرثوية، والتهاب الكلية، وخرّاج ما حول اللوزتين، والتهاب وتقيح وخراجات العقد اللمفاوية تحت الفكين. كيف التمييز بين التهاب الحلق الفيروسي والتهاب الحلق الجرثومي؟ أن الالتهاب الفيروسي غالباً ما يكون جزءاً من منظومة تشمل بعض الأمراض المعروفة، مثل الرشح والأنفلونزا، ويترافق مع عدد من العوارض، أبرزها العطاس، وسيلان الأنف وانسداده، والسعال. وتكون هذه العوارض غائبة في الالتهاب الجرثومي. قد يسارع الأهل في الطلب من الطبيب إعطاء المضادات الحيوية لعلاج التهاب الحلق عند الطفل، لكن لا بد قبل الإقدام على هذه الخطوة معرفة إذا كان التهاب الحلق فيروسياً أو جرثومياً، ففي حال الالتهاب الفيروسي لا فائدة من وصف المضادات الحيوية لأنها لا تؤثر في الفيروسات، في المقابل إذا كان الالتهاب جرثومياً فمرحى بالمضادات الحيوية، وبالطبع يجب أن يبقى وصف المضادات من اختصاص الطبيب حصراً. وفي شكل عام إن التهاب الحلق الذي لا تهدأ عوارضه بمرور ثلاثة أيام على بدئه يجب علاجه بالمضادات الحيوية الواسعة الطيف. ولتقوية مناعة الطفل ضد التهاب الحلق وغيره من الأمراض يُنصح بالتقيد بالإجراءات الآتية: - إرضاع الطفل من الثدي، فحليب الأم يحتوي على أجسام مناعية وكريات بيض تساهم في تعزيز مناعة الطفل وحمايته من الالتهابات المختلفة والإسهالات والحساسية والتهاب السحايا والمجاري البولية ومتلازمة الموت المفاجئ والسرطان. وكلما طالت فترة إرضاع الطفل من الثدي ازدادت مناعته وأصبح جسمه أقوى على مواجهة العوامل الممرضة. أيضاً تساهم الرضاعة الطبيعية في تقوية دماغ الطفل وفي الحماية لاحقاً من الداء السكري ومن داء كرون ومن التهابات القولون ومن أنواع معينة من السرطان. - النوم الكافي بحسب المرحلة العمرية للطفل، فقد بينت البحوث أن قلة النوم تخفض عدد الخلايا الطبيعية التي تشكل أسلحة مهمة في مواجهة العوامل الممرضة من الفيروسات والجراثيم والخلايا السرطانية. ويحتاج الطفل حديث الولادة إلى 18 ساعة نوم يومياً، بينما يحتاج الطفل في عمر سنة إلى سنتين إلى 12 - 13 ساعة يومياً، في مقابل 10 ساعات في اليوم للطفل في سن ما قبل المدرسة. - تزويد الطفل بالفواكه والخضروات التي تضم مكونات حليفة للجهاز المناعي، مثل الفيتامين سي، ومضادات الأكسدة، والكاروتينيدات وغيرها. وتفيد الدراسات بأن الغذاء الغني بالعناصر النباتية يحمي من أمراض أخرى، مثل السرطان والأمراض القلبية الوعائية والأمراض التنفسية وغيرها. - إبعاد الطفل عن أماكن التدخين، فنواتج التدخين تجد طريقها بسهولة إلى المجاري التنفسية للطفل بسبب سرعة تنفسه، ما يؤثر على أجهزته، خصوصاً الجهاز المناعي. وهناك اتهامات كثيرة للتدخين السلبي بأنه وراء مشاكل يتعرض لها الطفل، مثل متلازمة الموت المفاجئ للرضع، والتهاب الأذن المتكرر، والتهاب القصبات، وداء الربو، وتأخر الذكاء. - تعليم الطفل على ممارسة النشاط البدني عندما يصل إلى عمر يستطيع القيام به، لأن هذا النشاط يقوي مناعة الطفل ويزيد من عدد كريات الدم البيض التي تقتل الجراثيم والخلايا السرطانية. - تناول السوائل بكميات كافية لأنها تخفض نسبة السموم الجائلة في الدم وفي أعضاء الجسم المختلفة، ما يعزز قدرة الجهاز المناعي على مقاومة الميكروبات. وفي الختام لا بد من رجاء أخير لكل من يريد أن يطبع قبلة على وجه طفل أن يتجنب طبعها على فمه أو على أنفه لأننا نحن البشر لدينا جراثيم متعايشة معنا يمكنها أن تنتقل إليه بسهولة، خصوصاً عندما نكون مصابين بأمراض معدية. لا مانع من تقبيل الطفل شرط أن تزرع القبلة على الرأس أو على جانب الوجه أو على الذراع، ولكن حتماً ليس على الأنف أو الفم.