للناس مواقف تنم عن قناعاتهم, بمثل ما تنم عن مفاهيمهم.. وأشد ما يلفت في مواقف الناس تلك التي تعبر عن مفهومهم عن القيم، التي تصبح سلوكا في البيت والشارع بين الفرد ونفسه، وبينه وغيره.. وقناعتهم بكل ردة فعل لهذا السلوك..أو رفضهم له.. في وسائل التواصل الحديثة متاحات كثيرة لمتابعة الناس، والتعرف على مفاهيمهم عن القيم وسلوكهم المعبر عنها، وتفاعلهم المشير إلى مدى قناعاتهم بما يفعلون..وتحديدا على مرأى من الملأ. وقفت على مقطع فيديو مر به حسب ما أُشير عنه بأن أكثر من أربعة ملايين شخص شاهدوه.., وفي مضمونه عشرات الذين تكتشف وهم يمرون داخل المشهد كيف يتعاملون مع مفهوم المساعدة، وما قيمة المشاركة لديهم،.. المقطع تم تصويره في أحد الشوارع الفرنسية، قامت به كاميرا خفية شاء القائم بتصوير المقطع أن يرصد سلوك الأفراد العابرين بالشارع مع شخص يُسقطه المرض المفاجئ على الأرض، فيطلب المعونة غير أنه يرتدي ملابس تدل على فقره، وعوزه, بينما يسقط آخر في المكان نفسه وهو يرتدي ملابس تنم عن ثرائه وقدرته.. فما الذي رصدته الكاميرا.. ؟ فتكشف الكاميرا الناس وهي تعبر بالأول دون مبالاة، بل لا تلقي النظر إلي الفقير.., فيظل ممددا يستجدي ولا مجيب.., عدا امرأة واحدة فقط وقفت برهة تنظر إليه ثم مضت، أما صاحب الملبس الأنيق الموحي بالثراء فقد تلاهف عليه المارة لينقذوه.. رفعوه وأخذوا به..! لا أدري ما الذي شاء اللاقط أن يثبته عن الإنسان..؟! إذ لا أحسب أن سلوكا آخر سيأتي به المشهد فقد فقدت كثير من القيم قيمتها وتبدلت القناعات عنها بغياب مفهومه الصحيح عن الناس.. الناس غلبت عليهم القيم المادية البحتة، وبها تشكلت قناعاتهم ومن ثم سلوكهم، وليس غريبا عليهم أن يمروا بالفقير دون أن ينقذوه, بينما يقفون للثري.. على الرغم من أنهم في تلك اللحظة لن ينالهم من الغني شيئا، كما لن يخسروا شيئا لو عاونوا الفقير فأنقذوه في اللحظة ذاتها، إنما هم تحركوا وفق ما استقر في مكنونهم من قيم الحياة التي تشكلت بها مسالكهم الفكرية, والوجدانية، والقيمية..!!